في ضوء عودة دونالد ترامب للرئاسة، ينشغل المستثمرون بتقييم أثر سياسات ترامب الاقتصادية المرتقبة على الأسواق المالية الأمريكية. ومن المتوقع أن يعيد ترامب تبني أجندة «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» المعروفة اختصاراً بماجا 2.0 MAGA «Make America Great Again»، التي شهدت في فترته الأولى مزيجاً من التخفيضات الضريبية، ورفع التعريفات الجمركية، وتشديد قوانين الهجرة. ومع أن هذه السياسات دعمت أرباح الشركات سابقاً، فإن تطبيقها في ظل وضع اقتصادي مختلف قد يعيد إشعال فتيل التضخم ويزيد من تكاليف الإنتاج والاستهلاك.
ويستعد ترامب لتطبيق جولة جديدة من التعريفات الجمركية العالية بهدف حماية الصناعات الأمريكية من السلع المستوردة منخفضة التكلفة، وبالأخص من الصين. وتتوقع مصادر اقتصادية أن يؤدي رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى نسبة 60% إلى خفض أرباح مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنحو 15 دولاراً للسهم الواحد، مما يعني تآكل جزء كبير من أرباح عام 2025. وأشارت توقعات بنك «جيه بي مورجان» إلى أن تأثير هذه الرسوم قد لا يتوقف عند خفض الأرباح، بل قد يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنحو 0.8% في حال ردت الصين بالمثل، مما قد يضغط على الأسعار ويرفع التضخم.
وشهدت الأسهم الأمريكية ارتفاعاً قوياً فور ظهور نتائج الانتخابات لصالح ترامب، بفضل توقعات بأن أجندته الاقتصادية ستشمل تخفيف اللوائح والتنظيمات، وتوسيع الاستثمارات الصناعية. ومع ذلك، لم تشهد سوق السندات نفس الترحيب، فقد ارتفعت عائدات سندات الخزانة لأجل عشر سنوات نحو 4.5% في إشارة إلى أن الأسواق تتوقع زيادة في تكاليف الاقتراض الحكومي.
العجز الحكوميوتظهر التحليلات أن العجز الحكومي سيزداد بشكل ملحوظ بسبب وعود ترامب بتخفيض ضريبة الشركات من 21% إلى 15%. ووفقاً لتقديرات بنك «غولدمان ساكس»، فإن هذا التخفيض الضريبي قد يعزز أرباح مؤشر «S&P 500» بنسبة 4%. إلا أن تلك المكاسب المتوقعة ستصطدم بزيادة في تكاليف الاقتراض، نتيجة تضخم العجز الذي قد يبلغ أكثر من 7.75 تريليون دولار خلال عقد، حسب تقديرات لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة.
ويرى الخبراء أن هذا الوضع سيؤدي إلى مفارقة تتمثل في تزايد الأرباح من جهة، وارتفاع تكاليف الديون من جهة أخرى، ما سيجعل سوق الأسهم أكثر حساسية تجاه أي ارتفاع إضافي في العوائد، والتي قد تعيق استدامة موجة ارتفاع الأسهم.
الاحتياطي الفيدراليوإلى جانب السياسات المالية، يشكل توجه ترامب تجاه الاحتياطي الفيدرالي عنصراً أساسياً في هذه المعادلة. إذ لطالما أبدى ترامب تحفظات على سياسة الفيدرالي النقدية، وسبق أن انتقد سياسات رئيسه جيروم باول علناً، مع إشارة ضمنية إلى إمكانية توجيه البنك المركزي الأمريكي نحو تخفيض أو رفع الفائدة بما يخدم رؤيته الاقتصادية. وهذا قد يضع الأسواق في حالة من الترقب بشأن استقرار السياسة النقدية في الفترة المقبلة.
ومع أن وعود ترامب قد تحفز الأسواق في الوقت الحالي، إلا أن التحديات تظل حاضرة. فالأسواق الأمريكية حققت ارتفاعاً يتجاوز المعدل المتوسط بنحو 35% على مدى العقد الأخير، وتراجع العوائد والزيادات غير المسبوقة في أسعار الفائدة يضع حدوداً ضيقة أمام حركة الأسواق.
ويرى كريس جريسنتي، كبير استراتيجيي الأسواق في «MAI Capital Management»، أن عودة ترامب ستصاحبها مخاطر ارتفاع في العوائد ومخاوف من التضخم، ولكنه يعتقد أن الأسواق مستعدة لتحمل تلك المخاطر طالما أن أرباح الشركات ما زالت قوية.
ورغم أن المستقبل المالي تحت إدارة ترامب قد يضفي بعض الحيوية على الأسواق، إلا أن التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد الأمريكي ستظل مؤثرة. فقد نشأت الهيمنة الاقتصادية الأمريكية في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، حيث أدى تدخل الاحتياطي الفيدرالي لدعم الاقتصاد إلى تمديد النمو، وواصلت تلك الهيمنة مسارها تحت إدارة الرئيس جو بايدن، حيث شهدت التكنولوجيا والشركات الكبرى ازدهاراً ملحوظاً بفضل التحولات التي فرضتها الجائحة وتوجهات الذكاء الاصطناعي. (بلومبيرغ)
0 تعليق