هل يستطيع العالم تمويل طموحات هدف 1.5 درجة مئوية؟ الإجابة في باكو - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

* عدنان أمين
* الرئيس التنفيذي لـCOP28
***********************
في العام الماضي، وسط مخاوف متزايدة بشأن تسارع الكوارث المناخية، حقق COP28 إنجازاً تاريخياً من خلال التوصل إلى «اتفاق الإمارات»، الذي وضع خريطة طريق إلى مستقبل آمن مناخياً، وأثبت قدرة العمل متعدد الأطراف على تحقيق نتائج عملية وملموسة.
قبل COP28، كان واضحاً أن العالم ابتعد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاق باريس، وشهد المؤتمر مفاوضات شاقة حتى اللحظة الأخيرة، ولكن من خلالها حققنا ما ظنه الكثيرون حلماً بعيد المنال، واستطعنا حشد جهود الـ198 طرفاً الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لإقرار خريطة طريق فعالة للحفاظ على إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، وإعادة العالم إلى مسار العمل المناخي المنشود.
ركز «اتفاق الإمارات» على تقديم استجابة شاملة لأول حصيلة عالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس، من خلال مسار عملي وطموح ومحدد يتماشى مع الحقائق العلمية، بالتزامن مع تحفيز النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام. وتتضمن هذه الاستجابة، التي توافق عليها العالم، التزامات تاريخية تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، بما يشمل التعهد بزيادة القدرة الإنتاجية العالمية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030، وتعهد آخر بالحد من إزالة الغابات خلال الإطار الزمني نفسه.
وفي يومه الأول حقق COP28 نجاحاً غير مسبوق أكد فاعلية نهج احتواء الجميع ورفع سقف الطموح الذي تبنته رئاسة المؤتمر، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاق بشأن تفعيل وبدء تمويل «صندوق الاستجابة للخسائر والأضرار»، وهو إنجاز تحقق بعد ثلاثة عقود من مطالبة الدول النامية بتحقيقه، ووصل إجمالي تمويل الصندوق حالياً إلى 853 مليون دولار، كما تم اختيار الفلبين لاستضافة مقر مجلس إدارته، في حين تولى البنك الدولي الأعمال المؤقتة للاستضافة والأمانة العامة ومهمة القيِّم على الصندوق، ومن المخطط له أن تكتمل جاهزية الصندوق لدعم الدول النامية بحلول COP29.
وتجاوزت إنجازات COP28 مخرجات التفاوض، حيث حفزت خطة عمل رئاسة المؤتمر تحقيق تقدم واقعي وملموس في العمل المناخي، من خلال جمع وتحفيز أكثر من 85 مليار دولار من التزامات التمويل، بما يشمل تخصيص 30 مليار دولار لصندوق «ألتيرّا»، وهو أكبر صندوق استثماري عالمي خاص للتمويل المناخي، وتجديد موارد صندوق المناخ الأخضر ليصل تمويله إلى مبلغ إجمالي قياسي قدره 12.8 مليار دولار مقدَّم من 31 دولة.
ودعمت خطة عمل COP28 تكريس التوافق بين مختلف المعنيين، وأسهمت في تسريع وتوسيع نطاق العمل المناخي في القطاعات الصناعية على نحو غير مسبوق من خلال عدد من مبادراتها الأساسية، مثل «ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز» الذي تمثل الشركات الموقعة عليه حتى الآن نحو 43% من إنتاج النفط العالمي، و«مسرّع الانتقال الصناعي» الذي يركز على خفض انبعاثات القطاعات كثيفة الانبعاثات.
كما حقق COP28 إنجازاً مهماً آخر بإطلاق «الإطار العالمي للتمويل المناخي»، الذي يستهدف إنشاء هيكل جديد للتمويل المناخي العالمي لتعزيز فرص الاستثمار في العمل المطلوب، واستمر الزخم الخاص بالتعهدات والإعلانات الـ11 التي أطلقتها رئاسة المؤتمر ضمن خطتها في التزايد منذ ختام COP28، حيث تلقت 64 التزاماً جديداً بدعمها.
نجحت إنجازات COP28 في ترسيخ مكانة دولة الإمارات ودورها الرائد عالمياً في مجال المناخ، وتلقى «اتفاق الإمارات» دعماً قوياً في نصوص بيانات مجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين و«ميثاق المستقبل» الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام الجاري، ما يعكس التقدير العالمي للاتفاق.
وفيما تستعد دولة الإمارات لتسليم رئاسة مؤتمر الأطراف رسمياً إلى أذربيجان، فإننا ننظر إلى إنجازاتنا الجماعية التي تحققت في دبي كبداية لمرحلة جديد من العمل المناخي، وفي COP29 الذي تستضيفه باكو، يجب أن تبني الأطراف على هذا الأساس وتتخذ إجراءات ملموسة وفعالة وعاجلة. وفي ضوء تركيز COP29 على موضوع «التمويل» يجب أن يشهد توافق الأطراف على اعتماد هدف جماعي جديد فعّال للتمويل المناخي يتيح تلبية متطلبات تنفيذ «اتفاق الإمارات»، ويسهم في توفير التمويل المناخي بشروط ميسّرة وكلفة مناسبة للجميع.
كما يجب أيضاً على كافة الدول أن تعتمد إجراءات وطنية تساعد على تحقيق أهداف قرار الحصيلة العالمية. وستكون الجولة القادمة من الإسهامات المحددة وطنياً، التي توجه خطط العمل المناخي لكل دولة حتى عام 2035، مقياساً بالغ الأهمية لمستوى الطموح المناخي العالمي، وفي هذا السياق لا بد من الإشادة بجهود ترويكا رئاسات مؤتمر الأطراف، التي تضم رئاسات COP28 وCOP29 وCOP30، في بناء الزخم للجولة القادمة من الإسهامات المحددة وطنياً، التي يحل الموعد النهائي لتقديمها في فبراير 2025.
ولا مجال لتأخير أو إبطاء هذه الجهود؛ فالأحوال الجوية القاسية الأخيرة، مثل الفيضانات المدمرة في فالنسيا والعواصف القاتلة في جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي والولايات المتحدة الأمريكية، تشكل تذكيراً عاجلاً بضرورة معالجة أزمة تغير المناخ، كما تؤكد موجات الحر القياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط أن منطقتنا من بين المناطق الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ.
تتطلب المرحلة المقبلة عملاً جاداً وتعاوناً مكثَّفاً لتمكين العالم من إقرار هدف جديد للتمويل المناخي رغم التحديات، لذا فمن خلال توحيد الجهود لدعم الالتزام العالمي المشترك حلّ أزمة المناخ والتوافق على رؤية مشتركة لبناء عالم متوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية، تتاح لنا فرصة استثنائية في باكو لتحويل الطموح إلى إنجازات ملموسة، ويمكن أن يمثل COP29 المحطة الفارقة في جهود حشد وتحفيز الموارد اللازمة لبناء مستقبل آمن مناخياً وسط التحديات المناخية الحالية غير المسبوقة، لنؤكدْ التزامنا بناء إرث إيجابي يفيد الأجيال القادمة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق