شركات توصيل صينية تتوسع خليجياً - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. رامي كمال النسور *

في السنوات الأخيرة، حققت شركات التوصيل الصينية تقدماً ملحوظاً في منطقة الخليج العربي، مدفوعة بالبيئة الخصبة والقوية للتجارة الإلكترونية، والطلب المتزايد من المستهلكين، والتعاون الاستراتيجي مع الشركاء الإقليميين. تقود شركات عملاقة مثل Cainiao وSF Express وJD Logistics التابعة لشركة Alibaba هذه الموجة، حيث تنشئ مراكز استراتيجية وتقدم حلولاً مبسطة تتوافق بشكل جيد مع المشهد الرقمي واللوجستي المتطور بسرعة في الخليج.
وعند الحديث عن العوامل الدافعة للتوسع نجد أن في مقدمتها يأتي قطاع التجارة الإلكترونية المزدهر حيث شهد سوق التجارة الإلكترونية في منطقة الخليج العربي نمواً هائلاً، بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 20 و30% على مدى السنوات القليلة الماضية. وقد أدى انتشار الإنترنت المتزايد، واستخدام الهواتف الذكية، وارتفاع نسبة السكان الشباب المتمرسين في مجال التكنولوجيا إلى تضخيم الطلب على حلول توصيل أسرع وأكثر كفاءة، ما يجعل المنطقة مهيأة للاستثمار من قبل اللاعبين اللوجستيين الصينيين.
وثاني هذه العوامل هو الموقع الاستراتيجي حيث تقع دول مجلس التعاون الخليجي بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، ما يوفر ميزة لوجستية للشركات ذات أهداف التوزيع العالمية. ويمكن لشركات التوصيل الصينية الاستفادة من دول الخليج مثل دولة الإمارات والسعودية بوابات للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما يوفر اتصالاً أفضل ويقلل من أوقات العبور.
بعد ذلك نأتي إلى الشراكات والاستثمارات من خلال التعاون مع الحكومات والشركات المحلية، حيث بهذا تتمكن شركات التوصيل الصينية من تجاوز العقبات التنظيمية، واكتساب رؤى السوق المحلية، والاستفادة من البنية التحتية المبسطة. الجدير بالذكر أن الشراكات مع شركات محلية عملاقة مثل البريد السعودي وأرامكس، إلى جانب الاستثمار في التخزين والتكنولوجيا المحلية، قد أدت إلى تسريع اختراق الشركات الصينية للسوق.وأخيراً يأتي الالتزام بالخدمات اللوجستية الخضراء وتقدم شركات التوصيل الصينية أيضاً حلولاً لوجستية مبتكرة وصديقة للبيئة تتماشى مع أهداف الاستدامة في الخليج. وهذا مهم بشكل خاص في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث تؤكد رؤية 2030 ومبادرات عام الاستدامة في الإمارات العربية المتحدة على الحد من البصمة الكربونية وتبني حلول لوجستية خضراء. وقد استثمرت شركات مثل SF Express في الأساطيل الكهربائية والتخزين الموفر للطاقة، وهو ما يتردد صداه بشكل جيد مع الأهداف الإقليمية.
إن هذا التوسع الكبير يصاحبه العديد التحديات وكذلك ضرورة التكيف مع الظروف التي تحتاج إليها هذه الشركات لتجد لنفسها مكاناً بين اللاعبين الكبار في المنطقة.
فمثلا يتطلب التعامل مع المشهد التنظيمي لدول الخليج من الشركات الصينية العمل بشكل وثيق مع السلطات المحلية لضمان الامتثال لقوانين التجارة والعمل والبيئة.
كذلك مراعاة ما لدى المستهلكين في المنطقة من توقعات فريدة، بما في ذلك أوقات التسليم السريعة والتتبع في الوقت الفعلي والأسعار الشفافة. وقد تكيفت الشركات الصينية من خلال تعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وتمكين التتبع السلس من البداية إلى النهاية، وإعطاء الأولوية لخدمة العملاء.
أيضا هناك التحدي اللوجستي حيث تفرض جغرافية الخليج العربي، بمساحاتها الشاسعة من الصحراء والمناخ الجاف، تحديات لوجستية عالجتها الشركات الصينية من خلال نشر شبكات نقل قوية وحلول تخزين عالية التقنية.
والآن مع وجود هذه الشركات ما هي التأثيرات المترتبة عليها وعلى الإقتصادات التي تعمل فيها؟
إن توسع شركات التوصيل الصينية في الخليج يعيد تشكيل المشهد اللوجستي والتجاري الإلكتروني المحلي بطرق مختلفة فمن ناحية تساعد استثماراتها في تحسين مرافق التخزين وشبكات النقل والتكنولوجيا، ما يرفع صناعة الخدمات اللوجستية في المنطقة إلى المعايير العالمية.
ومن ناحية أخرى ومع التوسع يأتي خلق فرص العمل، حيث تحتاج الشركات الصينية إلى الخبرة المحلية للعمليات ودعم العملاء والإدارة.
كما أنه ومن خلال جعل الخدمات اللوجستية أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة، تسهم هذه الشركات في نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في جميع أنحاء الخليج، ودعم ريادة الأعمال المحلية.
ختاماً ومع استمرار التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية في النمو، من المتوقع أن تعمل شركات التوصيل الصينية على تعميق جذورها في الخليج العربي. وسوف تكون الاستثمارات المستمرة في الشراكات المحلية، وتكنولوجيا الخدمات اللوجستية المتقدمة، وممارسات الخدمات اللوجستية الخضراء ضرورية لتحقيق النجاح المستدام.
ويبدو مستقبل شركات التوصيل الصينية في الخليج واعداً شأنها شأن الشركات الصينية الأخرى العاملة في كل المجالات، مع تأثير دائم على الاتصال الإقليمي وتجربة المستهلك. ولن يعمل نموها المستمر على تعزيز المشهد اللوجستي فحسب، بل سيعمل أيضاً على وضع الخليج العربي كلاعب رئيسي في شبكة سلسلة التوريد العالمية.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

أخبار ذات صلة

0 تعليق