إريك برينس*
في العقود المقبلة لن تكون هناك منطقة أكثر أهمية للاقتصاد العالمي مثل جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، التي تضم أغلب الدول الإفريقية. كيف لا، وتربة دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوركينا فاسو، والنيجر، ومالي، تحتوي على وفرة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الليثيوم، والكوبالت، والذهب، والتيتانيوم، واليورانيوم، وكلها مهمة لإنتاج الجيل القادم من البطاريات، وتشغيل المفاعلات النووية الصغيرة التي سترسم سباق التسلح التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي.
إن هذه الثروة الفائقة في المواد الحيوية هي السبب وراء تعزيز روسيا حضورها القوي في المنطقة، باستخدام مجموعة من الشركات الحكومية على غرار شركة الطاقة النووية الروسية «روساتوم»، التي تعمل على توسيع نطاق وجودها هناك، وأن تصبح شريكة لحكومات إفريقية متعددة بهدف إزاحة فرنسا، الشريك الأمني التقليدي للكثير من دول القارة.
في الأثناء، جعل التقاء العوامل الاقتصادية الكلية والجيوسياسية من إفريقيا مصلحة أمنية وطنية حيوية للولايات المتحدة أيضاً، وتأمين الزعامة الأمريكية في القارة بات هدفاً يتمتع نظرياً بدعم واسع النطاق من الحزبين. ومع ذلك، ومثل الانسحاب الفاشل من أفغانستان، لم يكن الأمر يتعلق بالنية بل بالتنفيذ الاستراتيجي لهذا التحول إلى إفريقيا، الذي فشلت فيه إدارة بايدن.
في أغسطس/آب 2022، نشر البيت الأبيض ورقة بحثية حددت أجندة استراتيجية من أربع نقاط لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ووفقاً لهذه الوثيقة، كان هدف أمريكا «تعزيز الانفتاح والمجتمعات المفتوحة»، و«تقديم عوائد الديمقراطية والأمن»، و«تعزيز التعافي من الوباء والفرص الاقتصادية»، و«دعم الحفاظ على البيئة والتكيف مع المناخ والتحول العادل في مجال الطاقة».
ومن بين هذه الطموحات العالية، يمكن القول إن الهدفين الأخيرين فقط لديهما فرصة ليكونا أكثر من مجرد شعارات مستهلكة من قِبَل المحافظين الجدد، وأن يتحققا بشكل هادف لصالح كل من إفريقيا والولايات المتحدة. وحتى الآن، لم تُظهر إدارة بايدن أي نجاحات ملموسة في تحولها نحو إفريقيا، ومن غير المرجح أن تحقق أي نجاح في الأيام القليلة المتبقية لها في السلطة.
أنغولا على سبيل المثال، مثل فنزويلا، غنية باحتياطيات الغاز والنفط، إلا أن الفساد منتشر على نطاق واسع ويشكل جزءاً يومياً من حياة المواطنين العاديين. وبينما أشار رئيسها إلى نيته تحسين علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وتقليص النفوذ الصيني والروسي، وقّع في أغسطس/آب من هذا العام عدة اتفاقيات مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز حضور موسكو في مجموعة من القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الأنغولي، بما في ذلك إنتاج الغاز والنفط والفضاء والزراعة.
في أنغولا، يُعد بنك التصدير والاستيراد إحدى أدوات إدارة بايدن لتحقيق هدفين استراتيجيين على الأقل، هما خلق فرص اقتصادية أكبر ودعم إنتاج الطاقة المتجددة. وتأسس البنك، وهو وكالة ائتمان الصادرات الفيدرالية، عام 1934، في أعقاب الكساد الأعظم، وكان مصمماً في الأصل لتعزيز التجارة مع الشركات الأمريكية من خلال تقديم قروض تفضيلية للشركات الأجنبية التي تشتري المنتجات الأمريكية.
وفي سعيه إلى تحقيق هذه المهمة، قدم البنك مليارات الدولارات في شكل قروض إلى دول في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك خصوم استراتيجيون، مثل الاتحاد السوفييتي والصين، فضلاً عن حكومات في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وكانت نتائج هذا الصرف السخي لأموال الحكومة الأمريكية مشكوكاً فيها على أقل تقدير، ويمكن القول بشكل معقول إنها ساهمت في الواقع في كثير من الأحيان في الحفاظ على استقرار وقوة الأنظمة الدكتاتورية من خلال تزويدها بالمساعدة الاقتصادية وتفاقم الفساد.
وحاول بنك التصدير والاستيراد تعزيز النمو الاقتصادي المشترك من خلال منح قرضين منفصلين في يونيو/حزيران 2023 ويوليو/تموز 2024، بقيمة إجمالية تبلغ 2.5 مليار دولار لشركة أمريكية تدعى «صن أفريكا». وكانت قروض البنك تهدف أيضاً إلى دعم بناء محطات الطاقة الشمسية في أنغولا، وخلق أكثر من 4700 وظيفة في الولايات المتحدة، ومساعدة المُصدرين الأمريكيين على التنافس مع الموردين الصينيين.
وبينما يبدو هذا الاتفاق في لمحة سطحية متوافقاً مع المصالح الاقتصادية الأمريكية، فإن الفحص الدقيق للحقائق على الأرض يكشف عن مجموعة أخرى من الظروف المزعجة التي تقوض أي أمل في خلق فرص عمل حقيقية في الولايات المتحدة.
يبدو أن شركة صن أفريكا لديها كل ما يلزم لبدء عملياتها في أنغولا لصالح مساهميها وشركائها الأجانب. أما أين وكيف سيتم خلق الآلاف من الوظائف الأمريكية في هذا المخطط فهو سؤال مفتوح ولا يمكن لأحد أن يتصوره.
إن ترويج بنك التصدير والاستيراد للطاقة الخضراء في أنغولا هو التوضيح المثالي للسياسة الخارجية المتعثرة لإدارة بايدن، التي فشلت، مع إشراف ضئيل، في القيام بالجهود الواجبة الأساسية بشأن المتلقين لأموال الحكومة الأمريكية على نطاق واسع. ويبدو أيضاً أنها فشلت كذلك في تجنب المخاطر الواضحة للفساد الناشئ في قضية شريك صن أفريكا المرتبط بالحكومة، شركة أوماتابالو، التي ستستفيد من سخاء بنك التصدير والاستيراد ودافعي الضرائب الأمريكيين.
* رجل أعمال وخبير أمني (آسيا تايمز)
0 تعليق