«وهم الإسلام السياسى»، أحدث إصدارات دار المعارف للمفكر المغربى الكبير سعيد بنسعيد العلوى، تنبع أهمية الكتاب من كونه كاشفاً لزيف طال الترويج له والعمل على غرسه فى الأذهان والعقول طيلة عقود، ويأتى الكتاب فى صورة بحث مكثف يقدم تعريفاً وافياً بماهية «الإسلام السياسى» ويرسم ملامحه الأساسية، ويعد أحدث إنجازات أستاذ الفلسفة الإسلامية، والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، وهو التلميذ النجيب للعلامة المغربى الراحل الدكتور محمد عابد الجابرى.
يرصد الكتاب بدقة طبيعة العلاقة بين تصورات الإسلام السياسى من واقع استقراء وتتبع دقيق لأدبيات وكتابات وتنظيرات هذا التيار، وما يسمى فى نظرهم أيضاً أو ما يطلقون عليه الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية، وإذ كان بحث هذه العلاقة جرى فى شكل إجابة عن سؤال: ما العلاقة بين المفهومين أو التصورين؟ فإن محتوى الإجابة كان أن لا علاقة بين الإسلام السياسى والدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية.
يقع كتاب «وهم الإسلام السياسى» فى فصلين، الأول يتضمن تعريف الإسلام السياسى ورسم ملامحه الأساسية التى «تحده وتعين معناه»، ووفقاً للمؤلف يتعلق الكتاب بـ«مقاربة يصح نعتها بتحليل لخطاب الإسلام السياسى وإرجاعه إلى مكوناته وثوابته والكشف عن الآليات التى يعمل ذلك الخطاب بموجبها، ومسلكه المتبع فى قراءة وتحليل هذا الخطاب، يستوجب التنبيه إلى أمرين اثنين هما: «التحديد الدقيق للمتن الذى يشكل مادة اشتغالنا فى هذه المحاولة، والأمر الثانى هو الإبانة عن المنهج أو السبيل الذى سلكنا فى قراءة ذلك المتن»، وفقاً للمؤلف.
ولما كان غرض المؤلف الانطلاق من بدايات تعريفية منهجية متحصنة من أية أيديولوجيا تمجيدية أو قدحية، فإنه توخى لهذا التعريف منهجاً مميزاً تمثل فى تعيين الخطوط العامة التى تسطر مجمل الدائرة التعريفية لهذا المفهوم، ومن هذا المنظور المزدوج، كان خوضه فى عدة محاور تمثل مداخل أساسية فى هذا التعريف، وأبرزها فى تعيين العلاقة بين الإسلام السياسى والدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية، وإذ كان بحث هذه العلاقة جرى فى شكل إجابة عن سؤال: ما العلاقة بين المفهومين؟، فإن محتوى الإجابة توصل إلى أنه لا علاقة بين الإسلام السياسى والدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية.
وتبعاً لهذا التعيين الأول لأول معانى تعريف مفهوم الإسلام السياسى، انطلاقاً من مقارنته بمفهوم الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية، كان المرتكز الثانى، فى متابعة هذا التعريف، هو خطاب الإسلام السياسى ذاته، وذلك انطلاقاً من منظور موجب فى التعريف يبحث فى خطاب الإسلام السياسى عن موجهاته الأساسية، وعناصره الداخلية التى تمثل ثوابت قارة فيه، ومن هذا الجانب يقرر الباحث أن السمات الأساسية لهذا الخطاب تمثلها المعانى الكبرى لدى هذه التيارات، وأولها اعتبار الخلافة «ركن من أركان الدين»، وثانيها تقرير ضرورة إحيائها، وثالثها القول بـ«ضرورة امتلاك السلطة التنفيذية»، وبضرورة محاربة الدولة الحديثة من أجلها، ورابعها تكفير كل مخالف لهذا التفكير فى إصرار على نفى الآخر، وأما الثوابت الداخلية لهذا الخطاب، طبقاً لما ورد فى أدبيات هذا التيار، فتمثلها الأزواج المفاهيمية الأربعة التى يحددها المؤلف فى ثنائيات متقابلة: الإسلام والجاهلية، والولاء والبراء، والحاكمية والسيادة، ودولة الخلافة ودولة الطاغوت.
وينجز المؤلف عملية تعريف الإسلام السياسى، فى الفصل الأول بتلك المحاور الأربعة، ثم ينتقل فى الفصل الثانى لدراسة مفهوم «دولة الخلافة»، وتفنيد محدداتها، مشيراً إلى أن الدولة الدينية المطلوبة دولة دينية نموذجها هو دولة الخلافة، كما يصبح الجهاد فريضة يختزل معناه فى القتال من أجلها، وإذ يختزل المؤلف شرح هذه المفاهيم والمقولات، فإنه يمر إلى المدخل التعريفى الثالث الذى يعتمده فى هذا التمهيد، والذى يقوم على بحث علاقة الإسلام السياسى بتراث الفكر السياسى الإسلامى فى فروعه الثلاثة التى يمثلها «الكلام، والفقه، والأدب السلطانى، والفكر السياسى النهضوى».
وإذا كان البحث ينتهى إلى نفى الأصالة عن هذا التيار، فمن المنظور التعريفي المراوح بين التعريف السالب والتعريف الموجب فى هذا الفصل يعين ملمحاً ثالثاً للإسلام السياسى هو ملمح المعاصرة، فليس الإسلام السياسى إلا ظاهرة معاصرة، بنت زمانها المعاصر، وتجد تفسيرها فيه، وبهذا الملمح الجديد يغلق الباحث دائرة هذا التعريف المركب للإسلام السياسى بتعيينه صيغة من ظاهرة معاصرة أعم هى ظاهرة الإسلاموية، وهو من هذا المنظور أيديولوجيا نضالية كالإسلاموية عامة، تختلف عن فكرة الإيمان، يوجهها هدف أكبر هو امتلاك السلطة بأية وسيلة كانت، وهو الهدف الذى تنبنى عليه هذه الأيديولوجيا، وينتهى المؤلف إلى «أن القول عن الدولة الإسلامية على النحو الذى ترتسم به، كما ترتسم فى خطاب الإسلام السياسى، أنها دولة الوهم، وأنها أبعد ما تكون عن التصور والتصديق وما تقضى به طبيعة الاجتماع البشرى وتحكم به سنن الله تعالى فى خلقه».
والمؤلف سعيد بنسعيد العلوى مفكر وأكاديمى مغربى حاصل على دكتوراه الدولة فى الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، العميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، كما شغل منصب الأمين العام المساعد لمركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، ونشر مجموعة من الدراسات والكتب، من بينها «قول فى الحوار والتجديد»، و«المسلمون والمستقبل» و«خطاب الشرعية السياسية فى الإسلام السنى».
0 تعليق