شو تيانكي *
على الرغم من أن خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، في نطاق 4.75% إلى 5%، تجاوز نطاق توقعات السوق وجذب انتباهاً عالمياً، إلا أن التوقيت كان متأخراً قليلاً عن المتوقع. كما أن أول خفض للأسعار من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ أربع سنوات له دلالات بيانية ومعلوماتية أكبر من أهميته الفعلية، لذلك لا يمكننا بسهولة افتراض أن السيولة النقدية العالمية ستدخل دورة تخفيف.
وبعد وقت قصير من إعلان الفيدرالي الخفض، قدم الرئيس جو بايدن والمرشحان الرئاسيان من الحزبين دونالد ترامب وكامالا هاريس تعليقات متباينة. وقال بايدن، إن خفض أسعار الفائدة ليس «إعلاناً للنصر، بل للتقدم». في حين أشارت هاريس إلى أن خفض أسعار الفائدة أمر جيد لكنها ستركز أكثر على خفض أسعار المستهلك. أما ترامب فقال، إن خفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية من قبل الفيدرالي عبارة عن «خفض كبير يظهر حالة سيئة للغاية للاقتصاد الأمريكي الحالي»، وأن بنك الاحتياطي الفيدرالي «يلعب بالسياسة» قبل الانتخابات الرئاسية.
ويعتقد الكثير من المنظمات المهنية والمستثمرين أن توقيت خفض أسعار الفائدة هذا في سبتمبر/أيلول متأخر قليلاً عن يوليو/تموز المتوقع سابقاً، لكن الخفض بمقدار 50 نقطة أساس فاق التوقعات السابقة البالغة 25 نقطة. وبعد وقت قصير جداً من الإعلان، عنونت كل من «بي بي سي»، و«سي إن إن» مقالاتها ب «الإجراء العدواني» و«خفض أسعار الفائدة الضخم» لوصف الحدث المثير.
وتوقع عدد من المنظمات المهنية أن خفض أسعار الفائدة الأول بمقدار 50 نقطة أساس هو مجرد البداية، ولا يزال هناك مجال لمزيد من التخفيف في الأشهر الثلاثة إلى الاثني عشر المقبلة. وبحسب «رويترز»، يتوقع خبراء الاقتصاد في «غولدمان ساكس» الآن أن تُثمر ستة اجتماعات قادمة للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، من نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى يونيو/حزيران 2025، عن تخفيضات متتالية ب 25%، ما يعيد السعر النهائي إلى نطاق 3.25% - 3.50% بحلول منتصف العام القادم. وتتوقع فرق العمل في «بنك أوف أمريكا» و«سيتي» و«إنفيسكو»، خفضاً إضافياً للأسعار بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع اللجنة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وبالنظر إلى أن الكثير من الاقتصادات المتقدمة مثل كندا وأوروبا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا، قد بدأت بالفعل جولتها الأولى، أو عدة جولات، من تخفيضات أسعار الفائدة قبل الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية، وأن أسعار الفائدة في معظم البلدان النامية والناشئة في العالم عند مستوى مرتفع نسبياً، فإن خفض الأسعار في الولايات المتحدة في سبتمبر أعطى بلا شك مساحة أكبر لهذه البلدان لتطبيق سياسة نقدية أكثر تيسيراً.
لكن بنك إنجلترا وبنك اليابان المركزيين، أبقيا الأسعار دون تغيير عند 5% و0.25% على التوالي، متمسكين بوجهة نظرهما بأن الاقتصاد لا يزال في طريقه نحو تحقيق تعافٍ معتدل.
ومع ذلك، من الأفضل عدم افتراض أن السيولة النقدية العالمية تدخل دورة تخفيف. فعلى الرغم من أن معظم عناوين وسائل الإعلام وصفت الخطوة بأنها «أكبر من المتوقع»، إلا أنني أعتقد أن خفض أسعار الفائدة هذه المرة له معنى رمزي مؤقت أكبر من أهميته الفعلية.
فمن خلال طرح خفض أسعار الفائدة في هذا الوقت وبهذه الكيفية، يوجّه الفيدرالي الأمريكي للسوق رسالة مفادها، «لقد سمعت صوتك، وقررت البدء في العودة إلى السياسة النقدية الطبيعية من التشديد». وبالفعل، بعد الإعلان عن خفض أسعار الفائدة، أبدت أسواق الأسهم الأمريكية والأوروبية ردود فعل إيجابية للغاية. وفي 18 و19 سبتمبر، ارتفعت ثلاثة مؤشرات رئيسية للأسهم الأمريكية والأوروبية، بل وبلغت مستويات قياسية أيضاً.
ومع ذلك، ينبغي لنا أن نرى أن عائد السندات الأمريكية لأجل 5 سنوات و10 سنوات ارتفع بدلاً من الانخفاض في اليومين، ليصل إلى 3.50% و3.75% على التوالي، ما يعني أن المستثمرين لا يؤمنون ببيئة نقدية فائقة التسهيل في الأمد المتوسط والطويل. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال بيانات التوظيف ومبيعات الإسكان في الولايات المتحدة جيدة نسبياً، على الأقل وفقاً للبيانات العامة الشهرية والأسبوعية، وإن كان أضعف قليلاً من المتوقع. كما لا توجد علامة واضحة على ركود كبير في الولايات المتحدة أو في العالم.
تقول وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، «إن خفض أسعار الفائدة كان إشارة إيجابية للغاية إلى المكان الذي وصل إليه الاقتصاد الأمريكي، وإن سوق العمل الأمريكي طبيعي وصحي». لذا فإن المسار المستقبلي لخفض أسعار الفائدة الأمريكية يعتمد بشكل أساسي على ما إذا كانت سوق العمل ستظل قوية، مع الأخذ في الاعتبار أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يشدد ميزانيته العمومية. وأعتقد أنه من السابق لأوانه التنبّؤ بشكل عدواني بأن الولايات المتحدة دخلت دورة جديدة من التيسير النقدي، وبالتالي لا يمكن افتراض تحسن كبير في السيولة النقدية العالمية.
* باحث مشارك في معهد «تشونجيانج» للدراسات المالية بجامعة رينمين الصينية «تشاينا ديلي»
0 تعليق