وقد ظهرت الفاشية، بمعناها الحديث، في أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين. حيث كانت إيطاليا مصدر الفاشية، عندما أسس الزعيم الإيطالي موسوليني (1883 - 1945) وجماعته حكومة، سميت فاشية، تولت السلطة مستأثرة بها، ومنعت الديمقراطية، بعد انتخابها، وألغت التعدد الحزبي، والحريات العامة. كما استولى الحزب النازي في ألمانيا، بزعامة أدولف هتلر، على السلطة، مؤسساً حكومة فاشية. وقد ألغى الديمقراطية التي جاءت به إلى السلطة. وتعتبر هاتان الحكومتان نموذجين للفاشية القديمة.
والواقع، أن الفاشية كانت، وما زالت، موجودة، حتى الآن، وفي كثير من المجتمعات. وهي تتجسد الآن في هيئة أحزاب سياسية، وحكومات، خاصة عندما نعرفها على أنها: استئثار جماعة معينة، ذات توجه فكري سياسي معين، بالسلطة، وبالقوة، وإقصاء كل الآخرين منها، ومحاولة فرض توجهها الفكري السياسي على الجميع (New Fascism). لذا، فهي نوع مرفوض من قبل الشعوب، والمفكرين. ويمكن أن نفهم الفاشية بشكل أفضل عند استذكار أنواع الحكومات.
أكثر تقسيمات الحكومات، تقسم هذه المؤسسات، بناء على من يملك السلطة فعلاً، إلى قسمين رئيسيين، الحكومات التمثيلية (الديمقراطية) المنتخبة، وتتجسد في ثلاثة نماذج: البرلماني، الرئاسي، الجمعية. أما غير التمثيلية، فتقسم هي الأخرى إلى ثلاثة أنواع: النظام الفردي، نظام القلة (نظام قلة ديكتاتوري)، نظام خليط من الفردي والقلة.
إذاً، معظم الحكومات الديكتاتورية، خاصة حكومات القلة، بأنواعها، هي حكومة فاشية. إذ نجدها عبارة عن قلة (عسكرية، دينية، ارستقراطية... إلخ). تستولي على السلطة في بلدها، وتمنع كل التوجهات السياسية الأخرى، وتعمل على فرض توجهها السياسي على كل مجتمعها. إنها ديكتاتورية قلة، وفيها كل عيوب الديكتاتورية، ومنها حاجة النظام لداعم أجنبي.
****
وفي عالمنا العربي، نجد أن أغلب الدول تحفل بالتوجهات الفاشية، سواء تجسدت في أحزاب سياسية، أو حكومات فاشية. ووجودها يثير كثيراً من الاشمئزاز والخوف، وأيضاً التساؤلات الحائرة. فأغلب هذه التنظيمات ليس لها من هدف سوى: القتل والتدمير، وإسباغ الظلامية على حياة ضحاياها، وإحالة حياتهم إلى جحيم لا يطاق، باسم الدين، والدين من كل ذلك براء. لا يوجد أي شيء يمكن أن يشوّه الدين الإسلامي الوسطي الحنيف، ويسيء إلى معتنقيه، أكثر من قيام تنظيم لا هدف إيجابياً له... بل جل همه القتل والتدمير والانتقام والتشفي، وإعادة عقارب الساعة لقرون مضت. صحيح، أن بعض «الواقع» الذي يقول قادة الفاشيين إنهم إنما نهضوا ليحاربوه، ويغيرونه، تشوبه الكثير من العيوب. ولكن «البديل» الذي يقدمه هؤلاء ليس فيه ميزة واحدة يعتد بها. بل هو أسوأ مما يدعون أنهم بصدد إزالته.
لذا، أصبح قيام ونمو وتوسع أي تنظيم تكفيري جهادي، أو ما شابهه (يستخدم غالباً الإرهاب لتحقيق هدفه في السيطرة والتسلط) هو أمر سيئ، وسلبي. يندر ظهور تنظيم متحضر، له برنامج تنموي معقول ومقبول، ويسعى للوصول إلى السلطة، أو إلى أكبر قدر ممكن منها، بالأسلوب السليم والصحيح... وإنفاذ رغبة الناس المعنيين، وميول الغالبية منهم. لم تقم، حتى الآن، أحزاب سياسية ذات طابع ديني وسطي وعصري... تتنافس فيما بينها على أصوات ورضا الناس المعنيين كما يحصل في الدول النابهة والمتقدمة، والقوية (الأحزاب المسيحية الديمقراطية مثالاً). حتى أكثر الأحزاب الدينية «الإسلامية» اعتدالاً، يلاحظ عليها الرغبة في الاستئثار بالسلطة - بكل الطرق الممكنة - وإقصاء من يختلفون معها في الرأي والتوجه. إنها «الفاشية السياسية الإرهابية»، التي تنمو وتترعرع في بعض المجتمعات العربية وغيرها.
****
وكثيراً ما يكون وراء كل تنظيم سياسي إرهابي، جهة معادية للإسلام وللأمة العربية، تعمل على تشجيع كل قول أو فعل يسيء إلى هذا الدين الإسلامي ويسفهه، وتجد في تشجيع هؤلاء الفاشيين وسيلة لتحقيق مآربها في الأرض العربية والإسلامية (داعش، القاعدة، إلخ). لقد ثبت وجود أيادٍ أجنبية معادية للأمة وراء قيام كثير من هذه التنظيمات، رغم تظاهر المتآمرين باتخاذ مواقف عدائية، وأحياناً عسكرية، ضد هذه التنظيمات!
وغالباً ما تنشأ هذه التنظيمات وتنمو في البيئات غير المستقرة سياسياً؛ بسبب عدم توفر «عوامل» الاستقرار السياسي الحقيقي والفعلي بها... أو ما يمكن الإشارة إليه بـ «التخلف السياسي». لذلك، نرى أن التنمية السياسية الإيجابية (الإصلاح السياسي) هي أمر ضروري لمنع قيام ونمو هذه التنظيمات. كما لا بد من حركة إصلاح ديني صحيح، تعيد للإسلام صفاءه، وتنقيه من الشوائب الكثيرة التي ألصقت به (فاستخدمت لضرب الدين نفسه)، وتحمي المسلمين من الوقوع تحت سندان الأعداء، ومطرقة ضالين من بني جلدتهم يقومون على هذه التنظيمات وأعمالها الإرهابية، ويشتغلون بإصرار على تدمير الأمة من داخلها.
0 تعليق