عاجل

كيف ساهم المثقفون في تشكيل الهوية المصرية عبر العصور؟ (تقرير) - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة حذف

لعب المثقفون المصريون دورا بارزا في تشكيل الهوية المصرية والتعبير عنها، وكان لهم تأثير كبير على الهوية المصرية من الناحية الثقافية، الوطنية، والاجتماعية، بدءًا من عصر النهضة وحتى العصر الحديث.

وبحسب كتاب "مصر الثقافة والهوية" للباحث خالد زيادة، والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات؛ فقد أدى المثقفون دورًا مهمًا في صياغة الهوية المصرية، من خلال أطروحات تنسب مصر إلى تاريخها القديم، أو إلى عالمها اللغوي العربي، أو إلى العالم المتوسطي، وقد تميّز الفكر المصري، منذ تبلوره مع الرواد أمثال رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وأحمد لطفي السيد وعباس محمود العقاد وطه حسين، بطابعه التربوي، وكان الاعتقاد السائد لدى هؤلاء أن التربية كفيلة برقيّ المجتمع وتبنّيه القيم الحديثة.

خلال السطور التالية؛ يستعرض "الدستور" دور المثقفين في تشكيل الهوية المصرية..

المثقفون والهوية المصرية 

يُعد رفاعة الطهطاوي أحد رواد الفكر التنويري في مصر بعد فترة من الاضمحلال الفكري والتي عاشتها مصر والتي وصلت لذروات من الجمود الفكري بشكل خاص في العصور المملوكية والعثمانية في مصر، مما أثّر سلبا وبقوة على الفكر في مصر مما ترك أثر سلبيا جدا على الحياة الفكرية في مصر إبان السيطرة المملوكية والعثمانية على مصر.

وكان للطهطاوي دورا في الإسهام في النهضة الفكرية التي عاشتها مصر في عهد محمد علي باشا والذي يعتبره البعض باني مصر الحديثة، فقد كان الطهطاوي من أهم الدعائم الفكرية التي قامت عليها النهضة التي أرادها محمد علي باشا في مصر، فدور الطهطاوي في حركة الترجمة وإنشاء مدرسة الألسن كان له الأثر الهام في نمو التطوير العلمي والثقافي مصر من خلال الاطلاع على ما وصلت إليه العلوم والثقافات المختلفة، ولم يقف دور الطهطاوي على الترجمة والنقل فقط للعلوم والفنون الفكرية المختلفة، وإنما كانت له العديد من الإسهامات الفكرية والإبداعية أيضا ويجيء في مقدمتها مؤلفه الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".

علي باشا مبارك، رائد النهضة العمرانية في القاهرة الخديوية في القرن التاسع عشر، وهو واحد من رواد العمران المصري، اقترن اسمه في تاريخ مصر الحديث بالجانب العملي للنهضة والعمران، وتعددت إسهاماته فيها، بجانب تشكيل الهوية المصرية.

وبحسب كتاب "شعب وميدان ومدينة: العمران والثورة والمجتمع القصة الإنسانية والمعمارية" للدكتور علي عبد الرؤوف؛ فإن علي باشا مبارك كان بمثابة الذراع اليمنى للخديوي إسماعيل، فأسند إليه الأخير مهمة مشروع متكامل لتطوير القاهرة، حيث خصصت مساحة 359 فدانا، كان تعرف بالمنطقة الإسماعيلية، وهي المعروفة حاليا بمنطقة وسط البلد، وأنشئ فيها ميدان التحرير، وذلك في إطار خطة الخديوي لبناء قاهرة جديدة، تتجاوز أسوار القاهرة العتيقة، تستلهم ملامحها التخطيطية والعمرانية والمعمارية من النموذج الباريسي الذي صممه المخطط هاوسمان (1809- 1891).

أما المفكر والفيلسوف أحمد لطفي السيد، والذي وصف بأنه رائد من رواد حركة النهضة والتنوير في مصر، فقد كان من أكبر المساهمين في حمل راية الهوية المصرية والتنوير في مصر في القرن العشرين، وقد ظل أستاذًا لجيله الرائد إلى أن غادر دنيانا في 5 مارس عام 1963، فقد تبنى المفهوم الليبرالي للحرية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر مناديا بتمتع الفرد بقدر كبير من الحرية وبغياب رقابة الدولة على المجتمع ومشددا على ضرورة أن يكون الحكم قائما على أساس التعاقد الحر بين الناس والحكام، وهو صاحب المقولة الشهيرة "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، ونادى بتحديد مفهوم للشخصية المصرية رافضا ربط مصر بالعالم العربي أو تركيا أو العالم الإسلامي سياسيا، ويربط بين الجنسية والمنفعة، وكان أهم ما طرحه في هذا الشأن الدعوة إلى القومية المصرية كأساس لانتماء المصريين، كما نادى بتعليم المرأة، وتخرجت في عهد رئاسته للجامعة أول دفعة من الطالبات عام 1932.

يعد الأديب عباس محمود العقاد أحد أهم كتاب القرن العشرين في مصر، وقد ساهم بشكل كبير في الحياة الأدبية والسياسية، وأضاف للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، فقد نجح في الصحافة، ويرجع ذلك إلى ثقافته الموسوعية، فقد كان يكتب شعرا ونثرا على السواء، وظل معروفا عنه أنه موسوعي المعرفة يقرأ في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع.

بدأ العقاد حياته الكتابية بالشعر والنقد، ثم زاد على ذلك الفلسفة والدين، ولقد دافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيا وعلميا ككتاب "الله" وكتاب "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه"، ودافع عن الحرية ضد الشيوعية والوجودية والفوضوية (مذهب سياسي)، وكتب عن المرأة كتابا عميقا فلسفيا أسماه "هذه الشجرة"، حيث يعرض فيه المرأة من حيث الغريزة والطبيعة وعرض فيه نظريته في الجمال.

وشهدت حياة العقاد معارك أدبية عديدة جعلته نهم القراءة والكتابة، منها: معاركه مع الرافعي وموضوعها فكرة إعجاز القرآن، واللغة بين الإنسان والحيوان، ومع طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري ورجعته، ومع الشاعر جميل صدقي الزهاوي في قضية الشاعر بين الملكة الفلسفية العلمية والملكة الشعرية، ومع محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في قضية وحدة القصيدة العضوية ووحدتها الموضوعية، وغيرها من المعارك.

يعتبر طه حسين من أبرز الشخصيات في الحركة العربية الأدبية الحديثة والهوية المصرية، فقد دعا إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، وأثارت آراؤه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن استمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونوا على قدر كبير من التمكن والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس.

أخبار ذات صلة

0 تعليق