نَظرَةٌ أَخِيرَةٌ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة حذف

لم يهنأ بلحظة نوم واحدة منذ أسبوع، فالبيت أصبح مختلفًا عن البيت الذى يعرفه، رائحة كريهة تملأ الأركان، دعك أنفه باستياء متوجهًا إلى غرفة نومه المزدحمة ليُخرج عطره المميز الذى يفضله.

دخل كل غرفة مسرعًا؛ لينثر فيها رائحته دون فائدة. العفونة والكمكمة تزيدان، وتعودان إلى خياشيمه لترقدا على رئتيه.

أمه تعود للجلوس على ذات الكرسى، تتكوم بنفس الطريقة، تشد ذراعيها حولها، وتدفن وجهها بين كفيها لتكب الدموع الساخنة دون أن تلتفت إليه. منذ أيام وهو يحاول تهدئتها، ولكنها لا تستجيب.

تتوقف قليلًا فقط عندما يسرع إليها والده من الغرفة المقابلة، ويحتضنها لتتوقف عن البكاء، ولكن بمجرد رحيل أبيه تعود لتكرّر ما تفعله.

تبكى بحرقة كبيرة، تسد أذنيها عن كل ما يقوله، تتأوه مثل حيوان يتألم من الوجع، وتتخبط فى كل مكان.

بحث عن الكمبيوتر الخاص به، محاولًا أن يتجاهل خليط الكآبة المنثور حوله. لا يحب أن يتجاهل الجديد من البوستات التى ينشرها أصدقاؤه وصديقاته، لم يكن مدمنًا مواقع التواصل بهذا الشكل إلا منذ عامين فقط، ألقى بنفسه داخل عالم فوضوى لم يمنحه شيئًا. الكثير من التفاهات التى يحبها ويغوص داخلها كل يوم، صديقة تكشف عن لون أظافرها الجديد وتطلب رأى أصدقائها، آخر يتباهى بجمال صديقته الجديدة وينشر صورة لهما وهما يتناولان الإفطار فى مكان مميَّز، ثانية تشارك منشورًا طويلًا عن تعرضها للحسد هى وزوجها بعد البوست السابق لها الذى نشرت فيه صورتهما وهما يتعانقان...

الوقت وفير.. دائمًا ما يكون لديه وقت ليرد على كل تلك التفاهات ويشارك بالتعليق والإعجاب، وكان هو الآخر يفعل المثل؛ ينشر أى صورة غبية له وينتظر سيل التعليقات.

فى مرة نشر صورة حذائه الجديد، ولم يتردد أن يشارك صورة والدته عندما دخلت المستشفى المرة السابقة ليدعو لها الجميع.

كان يغضب فى أحيان عندما يجد البعض يتجاهله. ظلّ مهووسًا طوال الوقت بالبحث عن أكثر الأفكار المثيرة التى تجعل الأصدقاء كلهم يعلقون، ولكنه أبدًا لم يصل إلى النتيجة التى ينتظرها.

رن جرس الباب مرة ثانية، لم يفكر فى التحرك لفتح الباب. انتبه مجددًا إلى هذه الرائحة الكريهة التى تنبعث من داخل البيت، فتح والده الباب، دخل مجموعة من الجيران والأقارب، كان منظرهم غريبًا بالنسبة إليه. جلس بعضهم فى الصالون بجوار والدته التى ظلت تبكى دون توقف، تثاءب فى ثقل، وهو يشعر برغبة قوية فى العودة للنوم ثانية.

لم يجد الكمبيوتر فى المكان المعتاد الذى يضعه فيه دائمًا، غيرت والدته موضع الأشياء خلال تلك الفترة القصيرة، ربما لم ينتبه ويدرك ذلك إلا الآن، دخل غرفته ليبحث، وعاد إلى الصالون مرة أخرى عندما لم يجده ليسأل والده.

نظر إليه الأب دون أن يجيبه، عاد إلى غرفة والده فوجد اللاب توب هناك يرقد فى دولابه فى هدوء. فتح صفحته، هذه المرة لم يجد الكثير مما يجده عادة على صفحات الأصدقاء. كانت البوستات أغلبها تحمل طابعًا حزينًا ومأساويًا.

لم يكن يصدق ما يقرؤه، كانت كلها تتحدث عنه. يذكرون مواقف لهم معه، يتحدثون عن خفة دمه وأخلاقه، آخر يذكر أنه فتى ضائع ولا يجد له هدفًا، سبه بصوت عال ومسموع، ولكن الضيوف لم تنتبه له. لا يعرفُ ما السّر الذى جعل الجميع يكتب عنه.

انتابته الرغبة فى النوم من جديد، لم يعرف ما الذى جعله ينهض من السرير، هناك شىء ملح يريد أن يراه، توقف لدقائق، عاد إلى صفحته ثانية.

نظر إلى آخر بوست له، لقد حقق أخيرًا الرقم القياسى، وانهالت عليه التعليقات بالآلاف، لم يتذكّر جيدًا ما الذى كتبه آخر مرة، ولكنه يعرف أنه كان شيئًا جديدًا، لم يفعله أحد من أصدقائه من قبل.

نظر مجددًا، نعم هذا هو البوست الذى أعلن فيه موعد انتحاره..

 

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق