إعفاء الأوقاف من الضرائب ورسوم التسجيل هو دعم حكومي لتعزيز الاستدامة
وقف النقود توجيه حديث نحو استثمار أموال الأوقاف بشكل يحقق الفائدة الكبرى للمجتمع -
في إطار الحراك الوقفي الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني ممثلة بمؤسسة «بوشر الوقفية» وغيرها من المؤسسات الفاعلة والجهود الحكومية ممثلة في «وزارة الأوقاف والشؤون الدينية».
هاتان الجهتان اللتان انبثق عن تعاونهما «مؤتمر عمان الوقفي الأول» وكان لي شرف حضور هذا المؤتمر الذي عُقد في منتصف هذا الأسبوع على مدار يومين، وجمع نخبة من المتحدثين والمختصين في مجال الوقف، وحمل شعار «الابتكار والاستدامة» وسلط الضوء على أهمية الأوقاف في تحقيق التنمية المستدامة، واستمعت من خلاله إلى معلومات جديدة وأفكار قيمة شكلت في ذاكرتي تصورا شاملا عن فكرة الأوقاف في الشريعة الإسلامية وأدواره المجتمعية، فاطلعت على التجربة التركية وكيف أن الأوقاف لم تقتصر على الإنسان، بل امتدت إلى الحيوانات والنباتات، حيث تم تخصيص أوقاف لإطعام الطيور المهاجرة، ورعاية القطط، وحماية أنواع النباتات، كما ذكر ذلك البروفيسور محمد غورماز رئيس شؤون الديانة السابق في تركيا، في كلمته التي ألقاها في المؤتمر. كما اطلعنا على تجربة نوعية ورائدة في أوقاف المسلمين في نيوزيلندا التي قاموا باستغلالها من خلال استغلال الصوف والجلد الناتجين عن شعيرة أضحية العيد عند المسلمين واستطاعوا أن يكسبوا منها أرباحا هائلة توازي أو تزيد عن قيمة الأضحية الحية، فبدلا من هدرها قاموا باستثمارها، فقيمة الخروف الحي في نيوزيلندا 95 دولارا، وهم استطاعوا أن يبيعوا قطعة الصوف الواحدة الناتجة عن الأضحية بـ100 دولار. وهنالك تجارب رائدة وأفكار مثرية ومعلومات قيمة قدمها الباحثون والمشاركون في هذا المؤتمر، ومن أبرز تلك الكلمات كانت ورقة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان، بعنوان «الوقف: نظرات شرعية معاصرة للابتكار والاستدامة»، والتي قدم فيها رؤية عميقة حول كيفية إدارة الأوقاف في سلطنة عمان بشكل يواكب التطورات المعاصرة ويعزز من استدامتها.
فقد أشار فضيلة الشيخ إلى أن فقه الأوقاف في عمان يمتاز بخصوصية تتمثل في خلوه من بعض التعقيدات التي تشهدها بعض البلدان الإسلامية، ومنها نظام «الحكر» الذي يربط الوقف بعقوبات تأجيرية طويلة قد تصل إلى 99 سنة في بعض الدول، في عمان، لا يوجد هذا النظام المعقد، ولا تمد يد الدولة إلى مصادرة الأوقاف أو تأميمها إلا في حالات نادرة، مما يسهم في الحفاظ على الأصول الوقفية عبر الزمان.
استدامة وابتكار
وأوضح أن سلطنة عمان تتمتع بمزايا مهمة تعزز استدامة الأوقاف وتحفز الابتكار فيها، من أبرز هذه المزايا الحفاظ على الأصول الوقفية، حيث لم تتعرض للمصادرة أو التأميم إلا في حالات استثنائية تمت معالجتها عبر القضاء العادل، بالإضافة إلى ذلك، أكد أن الأوقاف في عمان تحظى باستقلالية كبيرة، حيث يسعى النظام التشريعي العماني إلى إدارة الأوقاف بكل اهتمام وحرص، مع مراجعة وتعديل القوانين بحسب مستجدات الواقع. أما عن التسهيلات التي تقدمها الدولة للأوقاف، فقد لفت فضيلته إلى إعفاء الأوقاف من الضرائب، ورسوم التسجيل العقاري، وتخصيص الأصول الوقفية الجديدة من قبل الدولة، كما تتم مراعاة إجراءات التوثيق الشرعي بما يحفظ حقوق الوقف، وهو ما يعكس التقدير الكبير للوقف في سلطنة عمان. ومن النقاط المهمة التي أشار إليها الشيخ كهلان كانت البيئة الأمنية والسياسية المستقرة التي تعيشها سلطنة عمان، وهي عامل رئيس في نمو الأوقاف، فالأوقاف تحتاج إلى بيئة مستقرة لتنمو وتزدهر، وهذا ما تحقق في عمان، بفضل الله تعالى، حيث يعد الاستقرار السياسي والاجتماعي إحدى الركائز الأساسية التي تدعم تطور هذا القطاع الحيوي. وفيما يتعلق بالأدلة الشرعية للوقف، أكد الخروصي أنه لا يهدف إلى استعراض الأدلة الفقهية التقليدية بشكل مفصل، بل يسعى لتقديم قراءة معاصرة لهذه الأدلة، مع التركيز على الفوائد التي يمكن استخلاصها من الروايات الشرعية حول الوقف، سيتم تناول الأحكام الشرعية المتعلقة بالوقف وأركانه لاحق، ليعكس الحديث تطور الفقه في هذا المجال بما يتماشى مع التحديات المعاصرة.
الاستدامة: وصف لجوهر الوقف
وأشار إلى أن الاستدامة ليست مجرد وصف إضافي يضاف إلى الأوقاف، بل هي من طبيعتها الجوهرية، فالأوقاف، بحسب الأحاديث النبوية، تهدف إلى أن تكون صدقة دائمة تمتد على مدار الزمن، فمفهوم «حبس الأصل وتسبيل المنفعة» يثبت التلازم بين الوقف واستدامته، ولذا، فإن التركيز على الاستدامة في الوقف يجب أن يكون متسقًا مع طبيعته كصدقة جارية، وهو ما يلبي الحاجة المجتمعية عبر الأجيال. وتناول الخروصي في حديثه ترتيب أولويات الوقف من خلال قراءة الأدلة الشرعية، فقد لاحظ أن الأحاديث النبوية أكدت على ضرورة العناية بالعناصر البشرية في المجتمع قبل الجوانب العمرانية أو المادية، فقد توجهت معظم الأحاديث إلى الاهتمام بصحة الإنسان، وتعليمه، وتأمين حياته الكريمة، وهو ما يتجلى في الحديث المشهور عن أنس رضي الله عنه: «سبعة يجرِي للعبد أجرهن وهو في قبره»، الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عناية الإنسان كأولوية من خلال العلم، وبناء المساجد، وغيرها من أوجه العطاء البشري. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»، يبرز مرة أخرى الاهتمام الكبير بالأوجه التي تخدم الإنسان: الصدقة الجارية، العلم، وولد صالح يدعو له، من خلال هذه الأدلة، تتضح رسالة الأوقاف التي تتجاوز المعنى المادي لتشمل تلبية حاجات الإنسان في مجالات متعددة مثل العلم، الصحة، والكرامة الاجتماعية، لتوفير حياة هانئة وكريمة.
الجمع بين الثبات والمرونة في الوقف
وفي السياق نفسه، أشار مساعد المفتي العام إلى أهمية الجمع بين الثبات والمرونة في تطبيق مفهوم الوقف، فمن خلال حديث سيدنا عمر رضي الله عنه، الذي أوقف أرضه التي أصابها في خيبر، يظهر الثبات في الحفاظ على الأصل الموقوف وفقًا لشروط الواقف، وفي الوقت نفسه، تظهر المرونة في كيفية استثمار هذا الوقف، بحيث يتيح النظر في كيفية استفادة المجتمع من هذا الأصل بما يضمن استمرار الفائدة للجهات المستفيدة من الوقف، وهذا الجمع بين الثبات على المبادئ الشرعية والمرونة في التطبيق يعد من العناصر الأساسية التي تضمن نجاح الأوقاف واستدامتها في العصر الحديث. وأكد أن المرونة في الوقف تتيح مساحة للتصرف بشكل معقول ومأذون به، بشرط أن يكون هذا التصرف قائمًا على الأمانة والفقه الشرعي، وأشار إلى وصية سيدنا عمر رضي الله عنه في وقف أرضه بخيبر، حيث قال: «لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متمول فيه»، هذه المرونة تعكس التوازن بين الحفاظ على أصول الوقف واستثمارها بالشكل الذي يعود بالنفع على المستحقين، مما يعزز الاستدامة ويحقق الأهداف الاجتماعية للوقف.
حق المجتمع في الرقابة
فيما يتعلق بشفافية الأوقاف، لفت الشيخ كهلان إلى أن الأوقاف، وفقًا للأدلة الشرعية، كانت دائمًا في مرأى ومسمع من الناس، مما يحقق مبدأ الشفافية والإفصاح، وهذا يشمل حق المجتمع في الرقابة على حسن أداء الأوقاف، وهي قضايا يمكن أن يرفعها أي شخص من أفراد المجتمع إلى القضاء الشرعي، مما يتيح مساءلة المسؤولين عن الوقف، ويؤكد أهمية الإشراف الجماعي على أداء الأوقاف لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.
وفي إطار الحديث عن كيفية تطوير الوقف في العصر الحديث، عرض فضيلة الشيخ خلاصة من النظرات الفقهية المعاصرة، أولًا، أكد على ضرورة الوقوف عند رسالة الوقف، مشيرًا إلى أن الوقف ليس مجرد استثمار تجاري، بل هو قربة أخروية تهدف إلى النفع المجتمعي وتقديم القيم الأخلاقية، وطالب الشيخ بضرورة تقديم البعد الأخروي للوقف على أي بعد تجاري، حفاظًا على طبيعة الوقف كأداة خيرية تهدف إلى تقديم العطاء للمستحقين، لا لتحقيق رؤوس الأموال.
وأشار إلى نقطة مهمة تتعلق بالتفريق بين الوقف وأعمال البر الأخرى، حيث لا يجوز أن نخرج الوقف عن ماهيته الشرعية عبر إدخال أعمال طيبة ولكنه لا يصدق عليها حقيقة الوقف، على سبيل المثال، طرح الشيخ تساؤلًا حول مفهوم «وقف الوقت» وتساءل عن مدى صحة اعتبار ذلك وقفًا شرعيًا، وأكد أن أعمال البر والإحسان لها مكانتها في الإسلام، لكنها لا تصنف ضمن الوقف في حقيقته. وأكد الخروصي أن تطوير الوقف يجب أن يكون من داخل النظام الوقفي نفسه، مع ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين، وأشار إلى أهمية دراسة التراث الفقهي والحضاري المتعلق بالأوقاف في مختلف مناطق العالم الإسلامي، من المدن الكبرى إلى القرى والأرياف، وطالب بإعادة النظر في المخطوطات والمصنفات القديمة التي تحتوي على تجارب غنية يمكن أن تسهم في تطوير نظام الأوقاف في العصر الحالي، بما يعزز الابتكار ويضمن استدامة الأوقاف. موضحا أن بعض التجارب الأجنبية في مجال الأوقاف تختلف جذريًا عن المفهوم الشرعي للوقف في الإسلام، ففي حين قد يطلق البعض على بعض هذه التجارب «محافظ وقفية»، فإن هذه المحافظ تختلف في حقيقتها، مقاصدها، وأحكامها الشرعية، وأشار إلى أن أكبر المحافظ الاستثمارية في العالم بنيت على مفاهيم بعيدة عن القيم الإسلامية، مثل الفتوى الكنسية التي تقول «من مات غنيًا مات محتقرًا»، وهو ما يعكس اختلافًا كبيرًا في فلسفة الوقف الإسلامي الذي يهدف إلى تحقيق النفع المجتمعي وأعمال البر. ورغم ذلك، أكد فضيلته أن هناك فائدة في دراسة طريقة إدارة هذه المحافظ الأجنبية بما يخص استدامتها ونجاحاتها، ولكن يجب أن يتم التمييز بين ما هو وقف شرعي وما هو مجرد استثمار تجاري، وشدد على أهمية الاستفادة من التجارب المحلية والعالمية في مجال الأوقاف، لا سيما في سلطنة عمان والجزيرة العربية، والعمل على توسيع هذه الدراسات لتطوير المنظومة الوقفية بما يتماشى مع المبادئ الشرعية.
الفقه الإسلامي والوقفيات المستجدة
وأوضح أن فقه الوقف ليس معقدًا، بل هو من أيسر أبواب الفقه الشرعي، ويمكن أن يستوعب التحديات المستجدة في مجال الأوقاف، وأكد أن الفقهاء قادرون على مواجهة قضايا الوقف المعاصرة وتقديم الفتاوى المناسبة، طالما أن الأسباب التي أدت إلى التباطؤ أو الإخفاق في تطوير الأوقاف لا تعود إلى الفقه نفسه، بل إلى عوامل مثل الإهمال أو الطمع أو الفساد.
وخلص إلى أن الفقه لا يتضيق عن تناول المستجدات المتعلقة بالأوقاف، كما أشار إلى أن الفقهاء قادرون على مواكبة التطورات، ولا يحتاج الأمر إلى حمل الفقه ما لا يحتمل، ما دام لا يتعارض مع الأصول الشرعية. وفيما يتعلق بالأوقاف المستقرة والراسخة في أحكامها الشرعية، شدد الشيخ كهلان على ضرورة عدم العودة إليها بالتغيير أو التبديل بدعوى التجديد أو استيعاب متطلبات الواقع، وأوضح أن الأوقاف التي ثبتت لها أحكامها الشرعية يجب أن تبقى كما هي، ولا يتم تغيير شروطها، وفي حال كانت هناك حاجة لوجوه جديدة تلائم احتياجات العصر، ويجب تأسيس أوقاف جديدة تلبي تلك المتطلبات. وأشار إلى النقاش الدائر حول تحويل الأراضي الزراعية إلى استثمارات عقارية، واعتبر أن ذلك ليس من الحكمة في الكثير من الحالات، وأوضح أن تحويل الأراضي الزراعية، خاصة تلك التي تحتوي على مصادر مياه أو آبار، إلى قطاعات عقارية قد يضر بالمجتمع على المدى الطويل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة، وذكر أن الوقف يجب أن يظل محافظًا على مقاصده الأساسية، مثل تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع، وأنه لا ينبغي تفضيل الاستثمار العقاري على القطاعات الأخرى التي تحقق منافع اجتماعية مستدامة.
تشريعات لضبط حقوق المنتفعين
وأكد في حديثه على ضرورة الاستفادة من الأوقاف الجديدة وتطويرها، مع الحفاظ على الأوقاف القائمة بما تتضمنه من شروط وأوصاف شرعية، وأوضح أنه في حال تعطلت بعض الأوقاف كليًا، فسيكون الفقه قادرًا على معالجة تلك الحالات وفقًا لما يتطلبه الوضع، إلا أنه شدد على أن التحويل أو تعديل الأوقاف القائمة ليس من الحكمة، بل يجب السعي لإنشاء أوقاف جديدة تلبي احتياجات المجتمع المعاصر.
وأشار إلى أهمية تطوير المنظومة التشريعية لضمان حقوق كل الأطراف المتعاملين مع الأوقاف، سواء كانوا منتفعين أو مسؤولين عن إدارتها، وأكد أنه من المهم أن يكون هناك تجريم قانوني ضد من يأخذ من الأوقاف ما لا يحق له، سواء كان من الجهات الرسمية أو من الأفراد المتعاملين مع الوقف، مثل النظار والوكلاء.
وأبرز فضيلته أن مال الوقف يعتبر أشد حرمة من مال اليتيم في الفقه الإسلامي، ولذلك يجب أن تكون هناك آليات قانونية فعّالة لضمان حماية هذه الأموال ومنع التعدي عليها، وشدد على ضرورة أن يُعاقب من يأخذ مال الوقف بغير حق وأن يتم رد الحقوق إلى مستحقيها، سواء كانوا أفرادًا أو ورثة.
طرق مشروعة لتنمية العوائد
انتقل الخروصي بعد ذلك إلى الحديث عن جملة من التصرفات المشروعة التي قد تخفى على الكثيرين في إدارة الوقف، وأكد أن تعظيم غلة الأصول الموقوفة هي الطريقة الأفضل لإدارة الوقف بما يحقق النفع لأكبر عدد من الناس، مشيرًا إلى عدة وسائل يمكن أن تتبع لتحقيق ذلك منها: استثمار الأصل الموقوف: وهو الأسلوب الأكثر شيوعًا ويعتمد على استخدام الأصل لتحقيق عوائد مالية تنمي الوقف. واستثمار ريع الوقف: حيث يمكن استثمار جزء من العوائد بما لا يضر بالمستفيدين من الوقف، مع الحفاظ على ماهيته الشرعية، واستثمار فائض الغلة: يمكن استثمار الفائض من غلة الوقف بدلًا من استهلاكه في مصارف أخرى غير مشروعة أو غير مشمولة في شروط الواقف، استثمار الاحتياطي المدخر: يجب أن يتم استثمار المبالغ المدخرة للأغراض الوقفية مثل الصيانة وإعادة الإعمار لتفادي تلف الأوقاف بفعل الزمن. في إطار الحفاظ على استدامة الأوقاف، اقترح الخروصي فكرة «حماية الأوقاف بأوقاف»، وأوضح أنه في بعض الحالات، خاصة في الأوقاف المتعلقة بالموارد الطبيعية مثل الأفلاج والأنهار، يمكن للأغنياء أن يوقفوا حصصًا إضافية لهذه الأوقاف لحمايتها، هذا الاستثمار في أوقاف جديدة يسهم في تعزيز استدامة الوقف القديم وضمان استفادة المجتمع المستمرة منه، وأكمل قوله إن الوقف الجديد يجب أن يكون مكملًا للوقف الأصلي من حيث نوع الأصل، مما يعزز التنوع في الأصول الوقفية ويسهم في استدامتها. وأكد على ضرورة تنويع وجوه الاستثمار الوقفي بما يتناسب مع روح الوقف ومقاصده الشرعية، وليس فقط تلبية لمتطلبات الواقع المعاصر، وأوضح أن ذلك يتطلب الانفتاح على أنواع جديدة من الأصول، مثل الحقوق المعنوية والمنافع المتقومة شرعًا مثل حقوق التأليف، وبراءات الاختراع، والتطبيقات الذكية للأصول الرقمية. وأشار الشيخ إلى أن الوقف في الإسلام لم يكن دائمًا ثابتًا في صورته التقليدية، ففي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كانت هناك وقفيات لأشياء قابلة للاستهلاك، مثل وقف خالد بن الوليد رضي الله عنه لأدرعته وعتاده، ووقف الخيل والحيوانات، ومع ذلك، فالأصول الحديثة مثل الحقوق المعنوية والأصول الرقمية، التي لها منافع اقتصادية وقابلة للتداول، يمكن أن تندرج في دائرة الوقف كما لو كانت أصولًا تقليدية. وأوضح الشيخ أنه لا توجد مشكلة شرعية في أن تدخل الأصول الرقمية في الوقف، فهي تعامل كما تعامَل الأصول القابلة للتداول مثل العقارات والنقود، وهذه الأصول تُعد اليوم ذات قيمة اقتصادية ومن الممكن أن تكون مصدرًا للعوائد التي يمكن استثمارها لصالح المستفيدين من الوقف. وأشار إلى ذلك التوجه الحديث الذي يمكن أن يكون ذا أهمية كبيرة وهو وقف النقود، وأوضح أن النقود يمكن أن تدخل ضمن الوقف، ويجب أن يتم استخدامها بحذر، بما يحقق الاستفادة الكبرى للمجتمع مع المحافظة على الهدف الشرعي من الوقف. من القضايا المهمة التي شدد عليها هي تنويع المستفيدين من الأوقاف، وأشار إلى أن العديد من الأوقاف تواجه صعوبة بسبب الشروط المحددة من الواقف التي قد لا تتناسب مع احتياجات المجتمع المتجددة، لذلك، يجب على الواقفين أن يتفهموا حاجات الزمن الحالي ويضعوا خططًا لتوسيع نطاق المستفيدين من الوقف ليشمل فئات متنوعة، ومن أمثلة ذلك، قال الشيخ إنه يمكن استخدام الأوقاف لدعم الباحثين والمتقاعدين، كما يمكن تخصيص أوقاف لتمويل المنح التعليمية، التي تسهم في رفاهية المجتمع والتكافل الاجتماعي، وتسهم في تعزيز التكامل بين فئات المجتمع، وأضاف إن الأوقاف يجب أن تشمل أيضًا احتياجات أخرى مثل العناية بالأمن الغذائي وتطوير التعليم.
0 تعليق