سعدتُ كثيرًا بتكريم الكاتب والإعلامي سليمان المعمري بجائزة الشخصية الثقافـية من قبل النادي الثقافـي لعام ٢٠٢٤م. وهنا لن أقدم موجزًا عن سيرة سليمان المعمري التي أَنتظر أن ينشرها النادي الثقافـي مساء اليوم الأربعاء، وإنما سأقدم شهادة شخصية فـي حق هذا الكاتب والإنسان الذي دفعني دائمًا للتفكير فـي معانٍ مثل الإخلاص فـي العمل، والمثابرة، وانتزاع المساحة الخاصة.
بدأتُ العمل فـي إذاعة سلطنة عمان نهاية 2015 م عندما أعددتُ وقدمت برنامج «انطباعات سينمائية». لم يكن سليمان، رئيس قسم البرامج الثقافـية، يكتفـي بمتابعة جاهزية كل حلقة والالتزام بجدول النشر الأسبوعي، بل شارك منذ اللحظات الأولى فـي متابعة مباشرة للحلقة التجريبية، واللقاءات التي أقوم بإجرائها. وكنتُ أتعجب آنذاك من رؤيته فـي غرف المونتاج، فسليمان مدير لأحد أهم أقسام البرامج فـي الإذاعة، ومع ذلك فهو يقدم ويعد ويشارك فـي الإخراج والمونتاج، الأمر الذي كان يسبب ضغطًا على من يعملون معه، لكنهم يرحبون به دائمًا لما يرون فـيه من إخلاص ورغبة فـي أن ينتهي العمل إلى نسخته الأفضل. ثم، ما الوقت الذي ستجد فـيه سليمان فـي استديوهات الإذاعة وأروقتها؟ ببساطة شديدة، وبدون مبالغة، سليمان
موجود فـي كل الأوقات، تراه جالسًا خلف الميكروفون يسجل لقاءً فـي المساء، ونادرًا ما تراه فـي مكتبه. يتواصل سليمان بعد تسجيل البرنامج أنا وكل زملائي معنا بتسجيلات صوتية لا أبالغ إن قلت إنها تصل لعشرات الدقائق، لا تمر أي كلمة دون تعليق، حتى صوت بطني الذي يظهر فـي التسجيل يقول سليمان عليّ الانتباه له فـي المرة القادمة، يصحح النحو، ويدقق فـي المعلومات وكفايتها، وينتقد اختيار الضيف، ويثني على الموضوع فـيقول إنه مُثقّف. وهكذا صرنا نتندر على رسائله وننتظرها حتى وإن لم يكن البرنامج تابعًا للقسم الثقافـي.
يمتلك سليمان بالنسبة لي ولأصدقائي شخصية خرجت من رواية، فهو ساخر، سخريته لاذعة وقد تتسبب فـي البكاء -صدقوني حصل هذا معي- وصادق ومباشر فـي مواقفه، ومع ذلك يُضحك كثيرًا، كما نبرة روايته الرائعة «الذي لا يحب جمال عبدالناصر». سيارة سليمان هي مكتبة متنقلة، «بوكس» السيارة تحديدًا، يستأذن لدقائق حتى يصل للسيارة ويأتي لك بكتاب كنتما تتحدثان عنه، وكثيرًا ما تراه فـي مواقف السيارات يعبث بشيء ما فـي صندوق السيارة الخلفـي.
من الصعب أن تجد أي مشروع مؤسسي أو فردي لا يقف المعمري وراءه.
وكثير من الكتب الصادرة حديثًا غالبًا ما يقرؤها ويحررها. وكان من أهم اشتغالاته الأخيرة، بالإضافة لمشروع كشف الانتحال، الكتاب الصوتي التابع لوزارة الإعلام ومنصة عين، الذي بدأ صغيرًا للغاية، يعمل فـيه سليمان على كل شيء، ويتابع كل مرحلة من مراحله ليصل لما هو عليه اليوم.
لقد كان من حسن حظي أن أبدأ تجربتي الإعلامية مع سليمان، لكنني أعجبت به كاتبًا فـي روايته التي ذكرتها آنفًا، وكتابه الصغير الذي صدر مع مجلة نزوى «كائنات الردة» الذي يتحدث عن صحم موطن سليمان وبلدي. إذ عرفتُ من خلاله تاريخ معالم هناك، وقصص الناس حتى أولئك المهمشين، مثل الحلاق الذي لا أنسى قصته مطلقًا. وأعدُّ شخصيًا برنامج سليمان «القارئ الصغير» البرنامج الأهم فـي تاريخ إذاعة عمان، حتى وإن وراء ذلك إعجابي الكبير بـ «كتاب أعجبني».
أضحكني اعتقاد الناس أن سليمان ممن تنطلي عليه المجاملة أو يمكن أن يكون ممراً للتحقق داخل المشهد الثقافـي العماني، أراهن أنهم لم يتعاملوا معه. فهو قاس فـي آرائه، اتفقت معها أم لم تفعل، وقربك منه لا يعني أنك منيع ضد رأيه. ربما يدلل على ذلك شهادات كلفته كثيراً فـيما يتعلق بالانتحال، وصل بعضها لأروقة المحاكم، لكن هذا ما يليق به: انسجام مطلق مع الذات، ووضوح معها. قال لي سليمان قبل عشر سنوات تقريبا عندما كنتُ مستجدةً على العمل، أن عقيدته القتال. مبارك علينا هذه الجدية والالتزام، وأظن أن المعمري شخصية ثقافـية بارزة لأعوام كثيرة فـي صفحة تاريخ الثقافة العمانية.
0 تعليق