أحمد القرملاوي: أعدت كتابة قصة أبناء يعقوب من وجهة نظر "الأشرار" - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

*الحكاية في التوراة لا تتعدى ثلاثة أسطر بلا حبكة أو تفاصيل

*طالعت مراجع حول تاريخ الآشوريين والكنعانيين والحضارات المجاورة

*استعنتُ بتقنيات الكتابة المسرحية وطوَّرت الحدث والشخصيات عن طريق الحوار

*لا أعدُّ نفسي من كُتاب البست سيللر برغم تحقيق بعض رواياتي مبيعات جيدة

*لا أظن أن أعمالي تحظى بالمتابعة النقدية التي تستحقها

*مهنة الناشر عطَّلتْني بدرجة ما عن متابعة زملائي الكُتاب

*أخطط للعودة للكتابة بانتظام وألا أترك قطار العمل يجرُّني ورائه

*لا بد من التوقُّف بانتظام في استراحات على الطريق لممارسة لُعبة الكتابة

في روايته الجديدة "الأحد عشر" يعيد الكاتب المصري أحمد القرملاوي سرد قصة أبناء يعقوب التاريخية من وجهة نظر الأشرار تلك المرة، لكنه لا يكتفي بالزمن القديم، الذي تتوه فيه البطلة داينا في إحدى الممالك، ثم يقع الاعتداء عليها من الأمير وهو في حالة من فقدان الوعي، قبل أن ينتبه، ويعرف أنه آذى واحدة من أجمل الحوريات. يكتب القرملاوي كذلك قصة دينا (لاحظ تشابه اسمي البطلتين) في الزمن الحاضر، وهي حكاية غريبة كذلك، فقد كانت شخصية في رواية مؤلفٍ ثم فوجئ بها تقفز من الورق إلى الحياة وتصبح إنسانة من لحم ودم. وقد ظهرت قدرات القرملاوي الكبيرة في الربط بين القصتين بقصة ثالثة إطارية.

أحمد القرملاوي، روائي وقاص ومترجم ومعماري، صدرت له مجموعتان قصصيتان هما "أول عباس" و"قميص لتغليف الهدايا"، وخمس روايات هي "التدوينة الأخيرة"، "دستينو"، "أمطار صيفية"، ونال عنها جائزة الشيخ زايد للكتاب عام ٢٠١٨، و"نداء أخير للركاب"، التي حازت جائزة أفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب ٢٠١٩، و"ورثة آل الشيخ" التي نال عنها جائزة كتارا للرواية العربية عام ٢٠٢١. تُرجمت أعماله إلى الإنجليزية والإيطالية والبرتغالية والأوكرانية.

في هذا الحوار يتحدث القرملاوي عن تجربته في كتابة روايته الجميلة "الأحد عشر" وكيف أثر عمله كناشر عليه كأديب يحاول استخلاص الوقت لتجربته الخاصة.

متى قرَّرت أن تحوِّل حكاية داينا ابنة يعقوب إلى عمل روائي؟

كانت رغبتي الأساسية هي الكتابة عن أبناء يعقوب من وجهة نظر جديدة، حيث تعاملنا معهم كثيراً كأشرار نمطيين، يوقِعون عقوبةً غير مستحَقة على أخيهم الأصغر، الأجمل، الأنقى، الأكثر تسامحًا، مفسِّر الأحلام وآسر قلوب النساء.. هذه الحَدِّيَّة في معالجة شخصيات القصة لم ترُق إليَّ، لم تُشبِع شغفي الروائي، لذا فكرتُ في إعادة كتابة القصة من وجهة نظر "الأشرار" هذه المرة، لكشف طبقات الحكاية النفسية واستيعاب دوافع الشخصيات.. ثم أخذتْني الرحلة لاكتشاف قصة داينا، أختهم، وبطلة حكاية أخرى أكثر تعقيدًا ودرامية، فاستجبتُ للنداء وسِرتُ وراء الحكاية.

ما المختلف بين الحكاية في التوراة والحكاية في روايتك "الأحد عشر"؟

الحكاية التي وردت في التوراة لا تتعدى ثلاثة أسطر، لذلك لا تعدو كونها عمودًا فقريًّا لحكايةٍ ثرية بالتفاصيل والدوافع النفسية والتحولات الدرامية، غير أنها تخلو تمامًا من كل ذلك؛ فهي بلا حبكة، بلا تفاصيل، بلا دوافع نفسية واضحة، كما أن العالم الذي تدور فيه الحكاية غير واضح المعالم، لذا وجدتُها فرصة سانحة لخلق هذا العالم بجميع تفاصيله، وإعادة بناء الحكاية بما يتماشى مع العمود الفقري الأساسي، ويُكسِب القصة الجسد الذي ينقصها وينفخ في شخصياتها الحياة.

العنوان "الأحد عشر" مأخوذ من سورة يوسف والآية التي تشير إلى إخوته "أحد عشر كوكباً" وهناك إشارات بامتداد صفحاتها عن قصة يوسف.. ما الذي أردته من هذا؟

أردتُ أن أربط عالم الرواية بتلك القصة التي بدأتْ منها الرحلة، قصة يوسف، فهؤلاء هم نفس الإخوة الذين حاولوا التخلص من أخيهم من قبل، تربطهم نفس العلاقة المعقدة مع أبيهم يعقوب، وتُحيط بهم نفس البيئة الشحيحة والطبيعة القاسية، والتنافسية العنيفة، وفي هذا الربط فرصة لفَهْمِ الشخصيات فهمًا أعمق، واستيعاب العالم الذي تدور فيه الأحداث دون الحاجة لمزيد من التفاصيل، فطالما أن الحكاية لها جذور تاريخية، فإن الربط مع هذا التاريخ المعروف يساعد في استيعاب العالم واختصار الشرح اللازم لاندماج القارئ. وثمة سبب آخر شخصي، هو رغبتي في إدماج القصتين حتى أنتهي تمامًا من إخوة يوسف ولا يُعاوِدون الإلحاح عليَّ حتى أكتب قصتهم في وقت لاحق.

هناك أكثر من مستوى للسرد داخل الرواية.. كيف تغلبت على صعوبات الموازنة بينها؟

هل تغلَّبت عليها؟ أرجو ذلك. ثمة صعوبات يُنتجها الشكل الفني، ولا يَطْمَئنُّ الكاتب تمامًا لإمكانية تجاوزها بنجاح، غير أنها لا تمنع عن المحاولة، وهذا تحديدًا ما حدث معي في هذه الرواية؛ أردتُ أن أدمج الشكلين المسرحي والروائي، واحتجتُ لقصة إطارية تقع في الزمن المعاصر، تُمكِّنني من المراوَحة بين المشاهد المسرحية والسرد الروائي، ثم اتخذَت التجربة أبعادًا جديدة أثناء الكتابة، فقد تعدَّدت مستويات الصراع والحبكة الروائية، فصار ثمة صراع في الزمن المعاصر كأنه انعكاس للصراع الدائر في الحبكة التاريخية، وتضاعف استمتاعي بالكتابة نتيجةً لتعدُّد مستويات الصراع، وأكملتُ اللعبة حتى نهايتها.

أحد مستويات السرد هي قصة (دينا) في الحاضر.. لماذا لم تمنحها حقها في الظهور مثل (داينا) في الزمن الماضي؟

كثيرًا ما أواجه صعوبة في الإجابة عن سؤال "لماذا؟" حين يتعلَّق بالكتابة، فعادةً ما يبدأ الكاتب مسيطرًا تمامًا على الحبكة والشخصيات –أو هكذا يتصوَّر في البداية- ومع توالي الصفحات تكتسب الشخصيات سُلطة ما على النص، وتشرع في التملُّص من بين أصابع المؤلف وتشكيل حياتها داخل النص. لكن بخصوص دينا خليل بالتحديد، فليست إلا انعكاسًا لتفاعُل الراوي مع النص الذي يقوم بتأليفه، إنها إحدى تصوُّراته، ودَوْرُها بالنسبة لي هو المشاركة في رسم وتطوير شخصية الراوي وحكايته.

ما التحضير الذي احتجته لكتابة حكاية تستمد جذورها من القرن السابع عشر قبل الميلاد؟

ثمة مستويان للتحضير، أحدهما هو البحث ومطالعة المراجع التي تؤرخ لهذه الفترة التاريخية والحيز الجغرافي؛ مراجع تتناول تاريخ الآشوريين والكنعانيين والحضارات المجاورة خلال هذه الحقبة التاريخية، من حيث الأديان والأعياد وأنظمة الإدارة والحُكم وطبيعة الملبس والمأكل والمشرب ووسائل المعيشة، حتى أستعين بها لرسم العالم على نحو واقعي مُقنع وثري. أما المستوى الآخر -والأكثر تعقيدًا بالنسبة لي- فهو التحضير الذهني والنفسي لمعايشة هذا العالم واكتساب لُغته وإيقاعه ومَنْطِقه، حتى تكتسب الكتابة الحرارة اللازمة.

لماذا كان هناك إحساس طوال الوقت بأننا إزاء عمل ملحمي؟ هل هي فكرة الفروسية الطاغية على الحكاية القديمة؟

قد تكون الفروسية أحد الملامح التي خلقت هذا الطابع الملحمي، لكن ثمة ملامح أخرى عديدة لهذا العالم الذي تُصوِّره الرواية، والمزيج الذي يتشكَّل نتيجةَ اندماج هذه الملامح في قالب روائي واحد. وربما يكون ذلك ما قصدتُه في إجابتي السابقة من حاجتي للتحضير الذهني والنفسي لمعايشة العالم الروائي، عالم المملكة الصغيرة وشكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، الملك ورئيس الحرس، الأمير والجنود، السيد والخادم المخلص، إلخ. هناك أيضًا الصراع الممتد والذي يتَّخذ أبعادًا درامية مع تصاعد الصراع، كل هذه الملامح يساهم اندماجها في خلق الطابع الملحمي.

هل هي رواية عن الشرف؟ أم السلطة؟ أم الخيانة؟ أم القوة؟ أم مزيج من كل هذا؟

هي رواية عن الحياة، مثلها مثل سائر الروايات، والحياة تتضمَّن جميع هذه السِّمات وأكثر، والرواية -كما أفهمها- ليس غرضها إبراز سِمة واحدة من سِمات الحياة واختبارها عَبْرَ حبكةٍ وشخصيات، بل أن تعكس الحياة في جُملتها وبكل ما تنطوي عليه من نوازع ومفارقات، في حيز من الزمان والمكان يختاره المؤلف ويرسم شخصياته من وَحي الحياة.

مَن هو بطل الرواية في وجهة نظرك.. الأمير أم داينا أم المؤلف؟

اعتمدتُ تقنية الكتابة المسرحية في هذه التجربة الروائية، حتى في المشاهد السردية التي تحتل أغلب صفحات الرواية، استعنتُ بتقنيات الكتابة المسرحية من اقتصادٍ في الوصف واعتمادٍ على تطوير الحدث ورسم الشخصيات عن طريق الحوار. ومن سِمات الكتابة المسرحية –فضلًا عن ذلك- توزيع الأدوار بين الشخصيات والاقتصاد في عدد الشخصيات التي تتصدَّر كل مشهد. ولو كنت مختارًا بطلًا للرواية فسيكون المؤلف، حيث أراه البطل الشبحي الذي يظهر في خلفية الرواية بشكل عام، بأسئلته حول السلطة وصراع المصالح والحب، ومحاولته إشباع رغباته عَبْر شخصياته، ولكونه أكثر الشخصيات عُرضة للتحوُّل والتطوُّر نتيجة الأحداث.

هذا العمل يغري بالقراءة.. ألم تواتِك الرغبة في استمرار الأحداث وكتابتها في مساحة أكبر؟

لا، لم تواتِني هذه الرغبة سواءً في هذه الرواية أو أي من رواياتي السابقة، ولا يُغريني هذا السؤال بكتابة المزيد حين يُطرَح عليَّ من زميل يقرأ مسودة الرواية أثناء الكتابة، أو بتأليف جزءٍ ثانٍ من عمل طُرِح على القراء، فأن يستشعر القارئ إغراءً بقراءة المزيد لهُو أمر جيد ومُرضٍ للطرفين، وأن تُترك المساحة للقارئ للإجابة على أسئلة النص وملء الفراغات السردية بخياله ومنطقه، لهُو أمر لا بأس به ولا أعتبره خلَلًا في بِنية النص.

ما المختلف بين هذه الرواية وأعمالك الأخرى؟

الكتابة هي لُعبتي المفضلة، ولكي أحصل على أكبر متعةٍ ممكنة من هذه اللعبة فإنني أسعى لخَوْضِ تجربةٍ جديدة في كل مرة، وقد سبق وأن رسمتُ عالَمًا ذا ملامح بدائية في رواية "التدوينة الأخيرة" لكن لا يُشبه عالَم "الأحد عشر" في أي شيء، وتنقَّلتُ بين التاريخي والمعاصر في "أمطار صيفية" لكن على نحو مغاير تمامًا، كما عدتُ لأزمنة سابقة في "نداء أخير للركاب" و"ورثة آل الشيخ"، لكن شتَّان بين هذه التجارب من حيث الزمان والمكان.

ما أبرز ردود الأفعال التي وصلتلك حولها حتى الآن؟

لا زال الوقت مبكرًا لرَصْد ردود الأفعال، على الرغم من أنني تلقَّيتُ بعض الانطباعات الإيجابية من بعض القراء.

أنت أحد كتاب البيست سيللر.. هل تضع هذا في ذهنك وأنت تكتب؟

لا أتفق كثيرًا مع هذا الوصف، ولا أعدُّ نفسي من كُتاب البست سيللر برغم تحقيق بعض رواياتي لمبيعات جيدة، وربما يكون ذلك من حُسن حظي حتى أستمتع بقدْرٍ معقول من المقروئية، وأبقى في الوقت نفسه متحررًا من هذا الاعتبار؛ أعني تحقيق مبيعات كبيرة وجماهيرية واسعة وعائد مادي مجزٍ جراء الكتابة، فالحرية هي ما يضمن لي المتعة أثناء اللعب، فكما ذكَّرتُ في إجابة سابقة: الكتابة هي لُعبتي المفضلة، ولا أُحِب أن يُشوِّش عليَّ شيء أثناء اللعب.

هل ترى أنك محظوظ بقراءة أعمالك على نطاق واسع؟

أرى أنني محظوظ على العديد من المستويات، ليس أبرزها المقروئية الواسعة، فلستُ في مصاف الكُتاب الذين تُحقق أعمالهم مبيعات تُقدَّر بعشرات الآلاف، لكنني أُقرأ جيدًا في العديد من البلدان العربية وأنال من الإشادة ما يُحمسني لمواصلة الكتابة والنشر، فضلًا عن حصولي على عدد من الجوائز الهامة، لذلك أراني محظوظًا في المُجمَل.

هل تحظى أعمالك بالمتابعة النقدية التي تستحقها؟

لا أظن. وقد يكون ذلك نابعًا عن طبيعة أدائي في الأوساط الأدبية، بجانب قلة الاهتمام النقدي الذي نحظى به كجيلٍ من الكُتاب.. لستُ أعرف على وجه الدقة، ولستُ مشغولًا بالإجابة عن هذا السؤال.

بعد عملك ناشراً.. هل ازدادت خبرتك فيما يتعلق بسوق النشر؟ وهل حققت استفادة على مستوى أعمالك؟

بالطبع، وسيكون مؤسفًا أن أعمل ناشرًا لثلاث سنوات دون أن أكتسب خبرات جديدة في سوق النشر، وقد دفعتني هذه التجربة للاطلاع على أعمال ونصوص ربما ما كنتُ سأقرأها من تلقاء نفسي، لكنها في المقابل عطَّلتْني بدرجة ما عن متابعة زملائي الكُتاب وإنتاجهم الإبداعي كما كنتُ أفعل في السابق، ولكل تجربة جديدة إيجابياتها وسلبياتها، ونجاح التجربة يُقاس بمدى استفادتنا من الإيجابيات.

أخيراً.. ما خططك للعام الجديد؟

أخطط للعودة للكتابة بانتظام، وألا أترك قطار العمل يجرُّني وراءه على عكس إرادتي، فلا بد من التوقُّف بانتظام في استراحات على الطريق لممارسة لُعبة الكتابة المفضلة لديَّ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق