تمثل العلاقات العمانية البحرينية واحدة من أقدم وأعمق العلاقات في منطقة الخليج العربي، حيث تعود جذورها إلى آلاف السنين، منذ ارتباط حضارتي مجان ودلمون، وقد شكلت هذه العلاقة شراكة اقتصادية وثقافية ساهمت في انفتاح الحضارتين بفضل موقعهما الجغرافي المتميز الذي جعلهما مركزين حضاريين حيويين في ذلك العصر.
وأوضح الدكتور علي بن سعيد الريامي رئيس قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس، أن الموقع الجغرافي لسلطنة عمان ومملكة البحرين لعب دورًا كبيرًا في تقوية العلاقات بينهما على مر العصور. فقد كانت دلمون (البحرين القديمة) من بين أبرز المراكز الحضارية التي كانت مجان (عمان القديمة) على تواصل معها، حيث شكلت هاتان الحضارتان شراكة اقتصادية وطابعًا اجتماعيًا وثقافيًا مميزًا، ساعد في انفتاح الحضارتين على بعضهما البعض.
وأضاف الريامي: إن هذه العلاقة العميقة تؤكد أن العلاقات العمانية البحرينية تعتبر من أقدم العلاقات التاريخية في منطقة الخليج العربي.
وأشار الريامي إلى أن العلاقة بين عمان والبحرين تعززت بشكل أكبر بعد ظهور الإسلام، حيث دخل كلا البلدين الإسلام في وقت مبكر وكان أهلهما من أوائل من لبوا دعوة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد استجاب ملك عمان، جيفر بن الجلندى، وملك البحرين، المنذر بن ساوى، لدعوة النبي دون قتال، مما يعكس الطبيعة السلمية للشعبين والقيادتين. وأضاف الريامي: إن الخليفة في فترة صدر الإسلام كان ينظر إلى عُمان والبحرين كوحدة إدارية متصلة بحكم الجوار الجغرافي والتقارب في المقومات الاقتصادية والموارد الطبيعية المتنوعة في كلا البلدين.
وبذلك تعكس العلاقة العمانية البحرينية صورة من التعاون المستمر والروابط الاجتماعية والثقافية التي تمتد عبر العصور، مؤكدة على الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لهذه العلاقة في سياق منطقة الخليج.
تُظهر العلاقات العمانية البحرينية تطورًا ملحوظًا على مر العصور، حيث ازدادت رسوخًا وثباتًا مع تأسيس الدولة الحديثة في كلا البلدين، وخاصة بعد تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأن العلاقة بين البلدين لا تقتصر على الجوانب السياسية فقط، بل هي علاقة عضوية تجمع بين شعبين يرتبطان بأواصر اجتماعية وثقافية مشتركة، مما جعلها نموذجًا للتفاعل المشترك بين مختلف الأجناس البشرية التي استوطنت في البلدين عبر التاريخ.
وقد أشار الريامي إلى الدور المهم الذي لعبه العمانيون في البحرين خاصة خلال فترة الخمسينيات والستينيات وحتى أوائل السبعينيات، حيث أسهموا في الحراك الاجتماعي والثقافي في البحرين، وهو ما رصده الباحث الأكاديمي محسن الكندي في كتابه «السطر الأول في التاريخ الثقافي والأدبي العماني». وكانت البحرين حاضرة في أشعار الأدباء العمانيين مثل عبد الله الطائي وعلي بن محسن السوطي وغيرهم. كما اندمج العديد من الفنانين العمانيين في المشهد الفني البحريني، مما يعكس التقدير والاحترام المتبادل بين الشعبين.
من جانب آخر أكد الريامي أن الزيارة التاريخية التي يقوم بها جلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، ملك مملكة البحرين، إلى سلطنة عمان سيكون لها تأثير كبير في تعزيز وتوثيق العلاقات بين البلدين، ويدفع بقيادتيهما إلى مزيد من التنسيق في العديد من القضايا، خاصة في المجالات الاقتصادية. ويتوقع أن تكون المباحثات بين قيادتي البلدين حول تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة في مختلف القطاعات، بما يحقق تطلعات مواطني البلدين في التقدم والازدهار.
وفي السياق ذاته أشار محمد عبدالله العلي باحث دكتوراة في التاريخ بمملكة البحرين إلى أن الحضارتين دلمون (في البحرين) ومجان (في عُمان) شكلتا نقطة التقاء حضاري وتجاري في العصور القديمة. وكانتا وسيلتين لتبادل السلع الثقافية والاجتماعية، ولعبت دورًا كبيرًا في تشكيل التفاعلات الثقافية والاقتصادية في المنطقة. وأوضح أن هذه التفاعلات كان لها تأثير طويل الأمد على تطور الحضارات في المنطقة وأدت إلى إيجاد مهن تجارية جديدة وأجيال من العمال المهرة والتجار الذين أسهموا في النمو الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.
أشار العلي إلى أن الفريق الدنماركي الاستكشافي، الذي زار البحرين في القرن الماضي للبحث عن «دلمون»، اكتشف تسلسلًا ثقافيًا مهمًا لهذه الأرض التي كانت تعتبر مركزًا حيويًا للاتصال بين حضارات متعددة. بحسب الأساطير السومرية، وُصِفت البحرين بأنها أرض غريبة «لا ينعق فيها غراب ولا ترفع الطيور أصواتها»، مع تصويرها كبيئة آمنة وساحرة حيث لا يفترس فيها الأسود ولا يأكل الذئب الحمل.
وأكد العلي أن موقع «سار» الأثري في البحرين قدم دليلا قويًا على أن البحرين كانت ملتقى طرق حيوي بين أراضي جنوب غرب آسيا ومنطقة شمال غرب المحيط الهندي، كما أشارت هارييت كروفورد في دراستها إلى الأهمية الاستراتيجية والثقافية لهذا الموقع التاريخي. هذه التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية بين البحرين وعُمان شكلت أساسًا للروابط بين البلدين التي بدأت قبل آلاف السنين، وهو ما يوضح العمق التاريخي لهذه العلاقات وأثرها الذي ما زال قائمًا حتى اليوم.
وأوضح العلي أن هذه العلاقات التي تعود إلى ما قبل الميلاد، قد أسهمت في تشكيل التاريخ الذي تلاها، فهذه الروابط الثقافية والاقتصادية أسهمت في تشكيل الهوية المشتركة بين البلدين، والدلائل التاريخية على ذلك موجودة في الوثائق الأرشيفية التي تزخر بها المنطقة والعالم، مما يبرز التاريخ الطويل والمتجذر للعلاقة العمانية البحرينية.
0 تعليق