عبد الوهاب الحمادي: أكبر أحلامي أن ينهي قارئ عملاً لي ثم يحكي عنه لأصحابه بحماس - ستاد العرب

0 تعليق 60 ارسل طباعة تبليغ حذف

- القراء أحسوا أن "الراوي المخاطب" خفيف ويوصل الفكرة التي أنشدها

- أدركت أثناء بحثي في الأرشيف البريطاني أنني لست أمام حادثة والسلام لبيع القطط بدلاً من اللحم

- لا مفسر للحاضر العربي أكثر من الماضي خاصة عندما ننزع النظارة الرومانسية

- أعتبر نفسي قارئاً في المقام الأول رغم أن للكتابة جمالها ولذتها الكبيرة

- تواري النساء في روايتي يعكس شيئاً من روح ذلك العصر القديم

- حالياً أكتب عملاً عن مواقف المثقفين العرب من احتلال الكويت

- استحيت أن أكتب رواية وليس لي كتاب قبلها لذلك نشرت "دروب أندلسية" ليكون شفيعي لدى القراء

في روايته الجديدة الرائعة "سنة القطط السمان" يعود بنا الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي إلى ثلاثينيات القرن الماضي، منطلقاً من حادثة غريبة، وهي القبض على "الهندستاني" صاحب أحد المطاعم، بداعي أنه يبيع لحم القطط للناس، ومن خلال تلك الحادثة يدخلنا الحمادي ببراعة، في الصراع بين السلطات المختلفة، خلال ذلك الزمن القديم، وأولها سلطة الحكومة الكويتية، في مقابل سلطة المعتمد البريطاني، الذي يرفض إذلال الهندستاني، مؤكداً أنه أحد رعايا الملك جورج السادس.

كما تظهر ورطة البطل "مساعد" بجلاء، حيث منح مالاً اقترضه للهندستاني كي يكون شريكه، وبما أن الهندستاني قُبض عليه ضاع المال، فوضع الدائن يده على بيت زوجته وبيت أبيه، وهكذا حطم "مساعد" أسرته، وواجه مشاعر شديدة الصعوبة، وهو يحاول أن يبتلع الموقف، أو يتحمل تبعاته، بل إنه فكر أن يكون قاتلاً ليتخلص من العبء الصعب، بعد أن توقفت أمه عن النظر في عينيه.

عبد الوهاب الحمادي المولود عام 1979 أصدر كتاب "دروب أندلسية" وثلاث روايات هي "الطير الأبابيل" و"لا تقصص رؤياك" و"ولا غالب" قبل أن يصدر روايته الجديدة "سنة القطط السمان" التي يدور حولها هذا الحوار.

- دعني أبدأ معك من أسلوب "الراوي المخاطب" في الرواية، وقد أجدتَ استخدامه بشكل رائع. لماذا اخترته لوصف تحركات ومشاعر البطل "مساعد" رغم صعوبته للكاتب والقارئ؟

• كان خياراً صعباً، وقليلة هي الروايات التي تستخدمه، لكن، في حالة مساعد وهو شخصية الرواية الرئيسية كان لا بد منه، مساعد متكتم، يطوي الأمور بين جناحيه في غالب أمره، لذلك كان هذا الراوي هو الخيار الملائم له تحديداً وباقي الرواية تسيَّدها الراوي العليم، والصوت الداخلي بالحروف المائلة. والحمد لله مع بداية قراءة الرواية وانتشارها بين القراء في مختلف البلدان، تجاوز معظمهم هذا الراوي بل أحسوه خفيفاً غير ثقيل وموصل للفكرة التي أنشدها، من المبكر أن أقول أن رهاني عليه نجح، لكن البوادر مشجعة.

- متى قررت أن تدور روايتُك في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي؟ وهل بحثت في الأرشيف عن الحياة الكويتية في ذلك العِقد؟

• أنا دائم القراءة في الأرشيف وكتب التاريخ، ولفتت نظري هذي القصة منذ زمن ثم نسيتها حتى ذكرني بها بالصدفة الصديق الأكاديمي فيصل الوزان، وأعطاني رابطاً للأرشيف البريطاني، من لحظتها انغمست في البحث عنها، واتضح أن هنالك روايتين، الأولى للمؤرخ الكويتي والأديب عبدالله الحاتم، وأخرى وثقها جيرالد ديجوري في يومياته ورسائله الرسمية. وبين التوثيقين متشابهات ومختلفات. لكنني منذ البداية خمَّنت أنها ليست قصة مطعم والسلام، بل وراء القصة ما يستحق البحث، وبعد قراءة وتتبع وجدت عبارة للمعتمد البريطاني يقول فيها ما معناه: أخيراً عرف الكويتيون أن لنا سلطة لأنهم لم يكونوا يعترفون بذلك! ومن طرائف البحث ما لفت قارئ يعرف مدى عشقي لنجيب محفوظ، عندما لمح اسمه ضمن الرواية فظن أنه إقحام، ولكنه عندما بحث عن عدد "المجلة الجديدة" التي أصدرها سلامة موسى، وجد أن العدد صدر في أغسطس ١٩٣٦، وهو نفس الشهر الذي جرى فيه ذلك الفصل.

- الرواية تسخر من القوميات العربية وأحلام الثوار الوردية وتتنبأ بالحياة بعد اكتشاف النفط.. فهل أردت القول إن الماضي يفسر ما وصلت إليه المجتمعات العربية الآن؟

• لن ألبس ثوب المنظر لذلك سأحيل على الروائي ميلان كونديرا عندما قال: "حكمة الرواية تختلف عن حكمة الفلسفة، فالرواية بوصفها فناً أدبياً، لم تولد من روح النظرية، وإنما من روح الفكاهة" وسأعقب قائلاً: لذلك ربما لا توجد رواية غير ساخرة بشكل أو بآخر. وبالنسبة للشطر الثاني أتفق معك أن لا مفسر للحاضر العربي أكثر من الماضي، خاصة عندما ننزع النظارة الرومانسية المتوارثة!

- تتمحور أحداث الرواية حول القبض على الهندستاني صاحب المطعم واتهامه بطبخ القطط، لكن الرواية لا تكتفي بالمعنى المباشر للحادثة، وتبحث عن معنى القطط السمان في عالم التجارة والسياسة.. فكيف خططت للإمساك بهذين الخيطين وربطهما؟

• وجدت مع القراءة والكتابة الأولية أن ذلك المدخل هو خير معين في التقاط صورة لمجتمع في لحظة تاريخية معينة ومن زاوية قد تعطي القارئ فرصة للتفكر، الخيط الأول حادثة تاريخية مثبتة وإن تنوعت مصادرها وتأويلاتها، أما الباقي فكان للخيال نصيب غالب في رسم الأحداث. لذلك كان الإمساك بهذين الخيطين كأنما هي مباراة بين الالتزام بالتاريخ المثبت وبين الخيال، وأرجو أن تكون النتيجة لصالح القارئ.

- لماذا فهم "مساعد" فكرة القطط السمان من خلال المعتمد البريطاني ديجوري ولم يفهمها بنفسه؟

• مساعد وهو بطل الرواية إنسان يهوى الأدب والكتب هي حياته، ولا شك أن تربية والده الذي عانى الويلات بسبب امتهانه الغوص لاصطياد اللؤلؤ شطراً كبيراً من حياته، حجبت عنه الرؤية، لذلك كانت الكتب والأصحاب والمعارف عينيه اللتين يفهم بهما العالم، من ذلك المنظور جاء حاتم المغاير بأفكاره ليزرع فيه التغيير، ثم أعقبه ديجوري ذلك المعتمد البريطاني ليرى عبره البلاد والعباد من الخارج ومنها ذلك التعبير الذي كان جديداً آنذاك ولم يدخل المعجم العربي بعد.

- هل تمنحنا الرواية صورة للاحتلال الأنيق الذي يحكم العرب من خلال مندوب له صلاحيات أكبر من صلاحيات الملوك؟

• آنذاك كانت المعاهدة بين بريطانيا والكويت معاهدة تهتم بالسياسة الخارجية فقط دون الداخلية أي لم يكن استعماراً أو انتداباً كمصطلح، وكنت أريد أن أصور لمحة من هذه المسألة التي تتجلى فيها المنافسة بين السلطة الكويتية المتوارثة منذ ثلاثة قرون والمعتمدية البريطانية التي تدخلت لأن المتهم من رعاياها. لكنني إن شئت القول أطمح لأن تمنحنا الرواية صوراً متعددة للاحتلالات الفكرية التي تحتل عقولنا وتمنعنا من إدراك العالم الحقيقي والواقعي من حولنا، صورا بعيدة عن صخب طبول الشعارات وإيقاعاتها المغرية.

- لماذا لم يظهر الهندستاني عبد المطلب بن مهين بعد القبض عليه بتاتاً؟ ألم تشعر بالشغف لكتابة لقاء أخير بينه وبين "مساعد"؟

• في البداية وقبل الشروع في الكتابة، كانت النية عندي أن يكون هناك وجود كامل للهندستاني، ثم تضاءل كيانه لعبارات يوجهها لمساعد ومكانها بين الفصول، ثم أخيراً حذفتها لأنها في الحقيقة غير مهمة إلا بمعناها وأتمنى أن المعنى وصل للقارئ عبر انعكاسها في عيون شخصيات العمل وكيف يرون ذلك الغريب!

- الرواية تطلعنا على تحكم رجال الدين في المجتمعات العربية كما هو الحال مع "الملا فالح البطانة".. فلماذا لم يقترب السرد من شخصيته؟

• فكرة رجال الدين عبر التاريخ، فكرة استحواذ على سلطة أو التواري خلفها، منذ أول كاهن حتى آخر راهب في صومعة. وأزعم أن السرد قارب "الملا فالح البطانة" خاصة في الفصول الأولى، حين أمَّ الناس للصلاة، وانعكس بعد ذلك في آراء وقناعات تابعه خليفة بل وتجلى في تعاطيه مع الأحداث. وهاتان الشخصيتان انعكاس لما كنت أراه وأريد إيصاله عن دور رجال الدين في أي مجتمع، مع عدم إغفال دور إيجابي لرجال دين وقفوا مع مبادئهم ضد خليفة وساندوا الحق في لحظة ما.

- "مساعد" طلب من "ناصر" شقيق عدوِّه "منصور" أن يعطيه المال الذي جمعه لخدمة القضية الفلسطينية.. هل يمكن تفسير تلك السقطة بضغط المديونية الهائل عليه؟

• لا أظنها سقطة بل هي ربما كانت سؤال الجدوى! عندما رأى مساعد أموال الناس في بلد لم يكن نفطياً بعد، بلد في طور النمو، أموال تُجمَع وتذهب للخارج بدلاً من إنماء المجتمع المحلي. وربما هو إحباط بطل الرواية ويأسه ورغبته في اختبار صداقة قديمة، أو معاكسة القدر، أو ما شئت أن تسميها.. وكلها بالطبع من ضغط المديونية الذي دعاني لاختبارها على بقية الشخصيات. وأنا بشكل عام أقدر قيام الرواية، أي رواية، بمواجهتنا بأسئلة نحاول أن نعتبر أنها غير موجودة ونتجاهلها.

- برغم أن سعاد زوجة مساعد وكذلك أمه لم تحصلا على المساحة الكافية في الرواية إلا أن تأثيرهما كان قوياً.. كيف رأيتهما؟

• كان بودي أن تكون مساحة أدوار النساء أكبر، لكن كنت أرجع نفسي لإكراه (والتعبير لأمبرتو إيكو) أن ألتزم بحدود الرواية ولا أستطرد فتفلت مني وتتشعب. لكن رغم ذلك سعيد بملاحظتك النابهة بتأثيرهما بشكل عام وتأثير النساء في المجتمع آنذاك وحدوده لأن تواريهم يعكس شيئاً من روح ذلك العصر، وعندك مثلا تأثير أم منصور التاير التي لم تظهر وغيرها، وظني، أن الإشارات كانت كافية لئلا أخرج وأتوه عن الحكاية الأصلية وتفرعاتها المهمة للحدث.

- عاد مساعد مكسوراً يفكر كيف يخبرهما بضياع البيت بسبب المديونية ثم اكتشف أنهما تعلمان.. هل كتابة ذلك المشهد كان صعباً عليك؟

• في الحقيقة نعم، إذ كانت لحظة شعور الخزي والعار عند مساعد، الذي لم يستطع أن يتجاوز ما أنجزه والده غير المتعلم، والذي كان دائم السخط عليه، ثم يجد نفسه وقد أضاع كل شيء لأسباب من بينها الطمع. هناك عدة فصول في الكتاب كانت كتابتها مختلطة باللذة والصعوبة والإحباط والمتعة.

- ما الفارق بين هذه الرواية ورواياتك السابقة "الطير الأبابيل"، و"لا تقصص رؤياك" و"ولا غالب"؟

• هناك مختلفات ومتشابهات، على صعيد الأفكار والهموم هناك تشابه انتبهت له لاحقاً، إذ ثمة محاور لا تتغير وإن تغيرت أشكالها، ومن أهمها التاريخ وما نعانيه في هذا الشرق بسببه. وأنا سعيد حتى الآن بتطور لاحظه السادة النقاد والأدباء، عملاً بعد آخر، وهنا أود أن أشكرهم على متابعة تجربتي الصغيرة.

- ننتقل إليك.. ما جيلك في الكويت؟

• جيلنا هو الجيل الذي تفتح أو بدأ تشكل وعيه مع حرب عراقية إيرانية مرعبة، ثم جاء الحدث الأكبر عبر احتلال الكويت. وهذا حدث مُزلزِل على أكثر من صعيد في الكويت والمنطقة وحتى تشكل العالم كما نعرفه الآن وبزوغ النظام العالمي الجديد، وطبعاً كان له تأثيره الجارف عليَّ أنا شخصياً رغم حداثة سني آنذاك، لكن تحطُّم أفكاري المتوزعة بين القومية والإسلامية يومها بسبب الآلة الإعلامية تركت خلفها جرحاً غائراً، له سلبيات كثيرة وقد تكون له نواحٍ إيجابية مع تبلور فكرة الكتابة بشكل عام الروائية منها والتوثيقية، لأن الاحتلال حاضر في كل ما أكتب بشكل أو بآخر حتى في العمل الأخير رغم أن أحداثها تسبق الاحتلال بما يزيد عن نصف قرن. كما تبلورت في العمل السابق عليه الذي صدر قبل عام تحت اسم "أصوات تشيد الذاكرة"، عندما استخرجت من أرشيف مطمور شهادات مكتوبة لضحايا الاحتلال. وحالياً أعكف على عمل هو حلم قديم بالنسبة لي، وهو البحث والتنقيب في مواقف المثقفين العرب من احتلال بلد عربي وأعني احتلال الكويت، بين الشجب والإدانة وبين المساندة والتبرير للمحتل، وكشف التناقضات والمواقف المبدئية، التي تنفع برأيي لنبصر عبرها عالمنا اليوم بشكل واقعي.

- لماذا أنت مقل في أعمالك؟

• قد أبدو كذلك، لكن ٦ أعمال في ١٠ سنوات أظن أنها جيدة، وهناك أعمال كتبتُ شطراً كبيراً منها ثم توقفت وقد أعود إليها، وفي البال أعمال تبلورت، أحتاج العمر والصحة لإكمالها، وأمنية أن تخرج بجودة تلائم القارئ العربي الذي يبحث عن الجديد.

- هل تعتبر نفسك قارئاً أكثر مما تعتبر نفسك كاتباً؟

• في الحقيقة أحب اعتبار نفسي قارئاً، أعرف أن للكتابة لذتها واكتشافاتها وكل الجمال الذي تكتنفه، لكن للقراءة الجمال الدائم والمتعة الصافية، هل هناك أمتع من الإمساك بكتاب يخطفك من هذا العالم؟ لا أظن!

- لديك ولع بالسفر وأصدرت كتاباً "دروب أندلسية" فماذا تحقق لك كتابة الرحلات؟

• حققت لي الكثير، رغم أن فكرة إصداره كانت بسيط وتتلخص في الآتي، كنت أستحي أن أكتب رواية وليس لي كتاب قبلها، لذلك كتبت ونشرت "دروب أندلسية" ليكون مدخلاً لي وشفيعاً لدى القراء، فإن قال قائل ومن هذا الروائي؟ قيل لديك كتاب فيه رؤية للتاريخ العربي وتاريخ الأندلس. وكنت بشكل غير مباشر أحتذي خُطى كاتب أحبه وهو أمين معلوف عندما أصدر "الحروب الصليبية كما رآها العرب"، قبلما يصدر رواياته التي أحب .

- مَن الكتاب العرب الأقرب إلى ذائقتك من الأجيال الجديدة ولماذا؟

• الأجيال الجديدة بحر زاخر بالأسماء مثل سعود السنعوسي ومشروعه الكتابي المتصاعد، طارق إمام وكتابته التجريبية اللافتة، مؤخرا إيناس حليم، أحمد الطيباوي، عبدالوهاب العيساوي، سعيد الخطيبي، أحمد الفخراني، أحمد مجدي همام. سأنسى حتما أسماء وأندم، لكن هذه أسماء على عجالة من الذاكرة.

- أخيراً.. ما طموحك من الأدب؟

• الطموح؟ أن أستمر في الكتابة وتتسع قاعدة القراء.. أعرف أن للكتَّاب أحلاماً كبر البحر ووسع السما على رأي الأخوين رحباني، لكن أكبر أحلامي؛ أن يوجد قارئ ينهي عملاً لي، يلتحم بأفكاره ويناقشها بينه وبين نفسه ثم يحكي عنه لأصحابه بكل حماسة، هذا أبسط وأعظم أحلامي! طماع؟ قد أكون!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق