ترجمة - أحمد شافعي -
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره حيز التنفيذ الآن، يمكن لكل من الرئيس بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب أن يدعيا الفضل في الإنجاز، بينما تحار إسرائيل وحماس في طبيعة ما وقعتا عليه بالضبط.
تدعو المرحلة الأولى من الاتفاق إلى إطلاق سراح ثلاثة وثلاثين من قرابة مائة رهينة ما زالوا محتجزين في غزة، ووقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، وانسحاب إسرائيل من المناطق المأهولة بالسكان، وإطلاق سراح مئات الفلسطينيين المسجونين لدى إسرائيل، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة. وتشمل المرحلة الثانية، التي سيتم التفاوض عليها خلال المرحلة الأولى، عودة بقية الرهائن الأحياء، وانسحاب جميع القوات الإسرائيلية من غزة وإنهاء القتال بشكل دائم. بينما تشمل المرحلة النهائية إعادة رفات جميع الرهائن الآخرين وإعادة بناء غزة.
كان الاتفاق خبرا سارا لبعض الرهائن وعائلاتهم وشعب غزة الذي طالت عليه المعاناة. ولكن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة أبعد ما يكون عن اليقين، بما يثير التساؤل حول ما إذا كانت الحرب ستنتهي حقا. بالنسبة للرئيس ترامب، الذي يزعم بالفعل أن وقف إطلاق النار هو النجاح الأول لرئاسته، فالواقع المزعج أنه أصبح الآن مقيدا بمسؤولية عن مصير الصفقة.
في الأمد القريب، ستحتفل إسرائيل بعودة الرهائن، الذين يعتقد أن معظمهم على قيد الحياة، والمحتجزون في ظروف غير إنسانية منذ خمسة عشر شهرا، ويتواصل قلقها على مصير الباقين في الأسر. كما سيأسى العديد من الإسرائيليين بسبب إطلاق سراح الفلسطينيين المسجونين الذين يرجح أن يكون بعضهم على الأقل ملطخ الأيدي بدماء إسرائيلية، ويتساءلون عما إذا كانوا سيعودون إلى أعمال «الإرهاب». ويكاد يكون مؤكدا أن الوضع السياسي الإسرائيلي سوف يزداد اضطرابا، وسط تهديدات اليمين المتطرف بترك الائتلاف الحاكم اعتراضا على الصفقة.
سوف تستفيد حماس من فترة الراحة من الحرب التي استنزفت صفوفها بشدة. فإذا ما حصل الفلسطينيون على فرصة لإعادة بناء حياتهم، فمن الممكن تماما أن تعيد حماس بناء نفسها أيضا فتعيد بناء جيشها وأسلحتها وتجنيد المقاتلين لتعويض الآلاف الذين تزعم إسرائيل أنها أخرجتهم من ساحة القتال. وبرغم الهزيمة الساحقة التي لحقت بحماس، فقد نجت من الهجوم الإسرائيلي، ويكاد يكون مؤكدا أنها سوف تستمر على «تمردها». والواقع أن هذا الاتفاق سوف يفضح على الأقل مدى خواء رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المزعومة بالانتصار الكامل على حماس.
من جانبهم، يواجه أهل غزة كارثة إنسانية مروعة أصابت جيلا بأكمله بالصدمة. فقد قالت وزارة الصحة التابعة لحماس إن أكثر من 46600 فلسطيني لقوا مصرعهم في غزة منذ بدء الحرب، وإن لم تفرق بين المقاتلين والمدنيين. وقد تسببت الحرب في صعوبات هائلة في القطاع، منها المجاعة، والافتقار الشديد إلى المياه والرعاية الصحية، ودمار مساحات شاسعة من المساكن والبنية الأساسية.
بوسع الرئيس بايدن أن يستمد قدرا من الرضا لأن وقف إطلاق النار، الذي راوغه نتنياهو طويلا، قد تحقق أخيرا ولأن المزيد من الرهائن، ومنهم العديد من الأمريكيين، سوف يتحررون الآن. ولكن الصورة التي تلوح فوق إنجاز اللحظة الأخيرة هي صورة الرئيس المنتخب الذي وضع نفسه في موقف يسمح له بالحصول على الفضل في الاتفاق. إذ يبدو أن تهديد الرئيس المنتخب ترامب علنا بأن «الجحيم سوف يندلع» إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل توليه منصبه قد آتى أكله: فقد تردد أن مبعوثه إلى الشرق الأوسط ضغط على نتنياهو بقوة للتوصل إلى اتفاق، فاستسلم نتنياهو.
وللإنصاف نقول إن درجة التعاون بين الإدارتين الأمريكيتين المنتهية والقادمة في هذه القضية كانت غير عادية.
والواقع أننا لا نعرف حتى الآن ـ استنادا إلى نصف قرن من الخدمة الحكومية الجماعية ـ سابقة لقيام رئيس منتخب ومبعوثه غير الرسمي بلعب مثل هذا الدور الواضح في مفاوضات رفيعة المستوى بدعم كامل من الرئيس القائم.
وقد يكون من المحتمل أن نتنياهو - الحريص على إبقاء ترامب في بلاطه والمصمم على كسب الدعم لسياسة إسرائيلية أكثر صرامة ضد البرنامج النووي الإيراني فضلا عن قضايا أخرى - قرر منحه نصرا سابقا على التنصيب. ولعل حساباته ذهبت إلى أن تجاهل ترامب سيكون أصعب وأعلى تكلفة من تجاهل المعتاد لإدارة بايدن.
ولسوف يعتمد نجاح هذا الاتفاق على سياسات ترامب في الرئاسة. فهو الآن يمتلك العملية: إعادة جميع الرهائن، والإفراج عن المزيد من السجناء الفلسطينيين وتحويل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع إلى نهاية للحرب. وكل هذا سيكون تحديا، وسيحدد فشله أو نجاحه ما إذا كان الاتفاق محض فترة راحة بين جولات أم مسارا فعليا للسلام.
بعد ستة عشر يوما من المرحلة الأولى، يفترض أن تبدأ المفاوضات بشأن إعادة الرهائن المتبقين ومن المقرر أن تنسحب إسرائيل من غزة. وفي هذا قد تكون نهاية اللعبة إما لإسرائيل وإما لحماس: فحماس لن تتخلى عن الرهائن المتبقين - وهم ورقتها الوحيدة - دون التزام إسرائيلي بإنهاء الحرب ومغادرة غزة. ولن يوافق نتنياهو، الذي يخشى من إعلان حماس النصر ويشعر بالقلق على مستقبله السياسي الشخصي، على ذلك ما لم توجد طريقة ما لإنشاء قوة أمنية دولية أو إقليمية ذات قدرة أكيدة على منع حماس من إعادة التسلح. وحتى في هذه الحالة فإن أي انسحاب إسرائيلي كامل لابد أن يكون تدريجيا ومرتبطا بأداء قوة الأمن.
ومن الممكن بعد ستة أسابيع من الهدوء والمساعدات غير المقيدة التي تتدفق على غزة أن تجد إسرائيل وحماس صعوبة بالغة أو تكلفة باهظة في العودة إلى القتال. لكن من الصعب أن نصدق أن نتنياهو سوف يوقف الحرب ما بقيت حماس جماعة مسلحة متمردة وقوة سياسية. أما عن ترامب، فقد يقرر الانسحاب من المسألة برمتها ملقيا اللوم على إسرائيل وحماس في الفشل. لكن لو أنه مهتم باتفاقية تطبيع إسرائيلية سعودية وجائزة نوبل للسلام - أو حتى بمحض الوصول إلى وضع «اليوم التالي» في غزة - فسوف يعني هذا تعامله مع مجموعة فوضوية من القضايا، منها السلطة الفلسطينية التي لم يتم إصلاحها، والأمن والحكم وإعادة الإعمار في غزة، وحل الدولتين الذي من شأنه أن يدخله في صراع مع نتنياهو وحكومته اليمينية. والواقع أن شروط المملكة العربية السعودية للتطبيع قد أصبحت أشد صرامة إلى حد كبير، مما قد يتطلب التزاما إسرائيليا بإقامة دولة فلسطينية وخطوات ملموسة في هذا الاتجاه.
فهل تؤدي هذه الصفقة الجديدة إذن إلى طريق مسدود للمفاوضين، أم أنها قد توفر مسارا للمضي قدما للإسرائيليين والفلسطينيين؟ هل هناك أي أمل في ظهور شيء أفضل من هذه الحرب؟ الجواب هو «لا» إذا كان خيال ترامب والقادة الإقليميين قانعا بإدارة الصراع.
سوف يعتمد أي مسار محتمل إلى السلام الدائم على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إذا ما قرروا أن يكونوا سادة على سياساتهم لا أن يكونوا أسرى أيديولوجياتهم، وإذا ما صاروا مستعدين وقادرين على تحديد مستقبل أفضل على أساس رؤية دولتين لشعبين. وسوف يعتمد أيضا على رئيس أمريكي مصمم ومثابر ومبدع - يعمل يدا بيد مع الدول العربية الرئيسية والمجتمع الدولي - من أجل مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تحقيق هذا الهدف.
آرون ديفيد ميلر: محلل ومفاوض سابق في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وزميل بارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
دانييل سي. كيرتزر: عمل سفيرا للولايات المتحدة في مصر من عام 1997 إلى عام 2001 وفي إسرائيل من عام 2001 إلى عام 2005.
خدمة نيويورك تايمز
0 تعليق