أهلا بكم في جهنم... - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

عانت البشرية عبر قرون من ويلات الحروب، وما سببته من كوارث بشرية وطبيعية ذهب ضحيتها الملايين من البشر. وكان آخرها الحرب العالمية الثانية، التي بدأت في الأول من سبتمبر من العام ١٩٣٩م، وانتهت في الثاني من سبتمبر من العام ١٩٤٥م. ليعاد بعدها تنظيم العالم، من خلال إنشاء هيئة الأمم المتحدة في ٢٤ أكتوبر ١٩٤٥م؛ بهدف حفظ الأمن والسلم الدوليين ومنع الحروب واحترام حقوق الإنسان وكرامته، ورفع شأن القانون الدولي ليكون القانون المنظم للعلاقات بين أشخاص القانون الدولي، وصولا إلى حماية الإنسان والحفاظ على كرامته في السلم وفي الحرب. وهذا ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى، المعنية بمقاصد الأمم المتحدة. وما نصت عليه المادة (٥) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ١٠ ديسمبر من العام ١٩٤٨م، من أنه «لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة». حيث تعد هذه المادة - تحديدًا- تعبيرًا عن القانون الدولي العرفي الملزم لكل الدول، وأساس عدد من المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقاب القاسي أو اللاإنساني أو المهين. وتوسع بعد ذلك الاهتمام بسن التشريعات الدولية المعنية بالحروب فظهرت اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة في العام ١٩٤٩م، وتحديدًا اتفاقية جنيف الثالثة المعنية بمعاملة أسرى الحرب. حيث حظرت في المادة الثالثة منها الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، والاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة - متعللا الكيان الصهيوني المجرم بتعليل سخيف، أنها لا تنطبق على الأسرى الفلسطينيين لكونهم ليسوا مقاتلين شرعيين. ويعد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام ١٩٦٦م أول معاهدة عالمية لحقوق الإنسان. حيث تنص صراحة، على حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بهدف حماية كرامة الفرد وسلامته البدنية والعقلية. لكن، ما حدث ويحدث حاليًّا في سجون الكيان الصهيوني المجرم من المعاملة الإجرامية للمختطفين والمعتقلين المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، وخاصة بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م، ستبقى وصمة عار تلطخ سمعة العالم أجمع، وخاصة الدول التي نصبت نفسها مدافعة عن حقوق الإنسان في العالم. فأكثر من ١٢ ألف فلسطيني - أغلبهم من المدنيين من قطاع غزة - ليس لهم يد فيما يحدث هناك. حيث تقوم سلطات السجون الصهيونية المجرمة بالتنكيل بهم وتعذيبهم بشكل دائم، فيما يسمى «حفلات التعذيب»، ابتداءً من قيام السجانين الصهاينة باستقبالهم بعبارة «أهلا بكم في جهنم»، وتعذيبهم على مدار الساعة. وهذه أمثلة من أشكال التعذيب - وفق شهادات منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية وعدد من المعتقلين المفرج عنهم من هذه السجون - على سبيل المثال لا الحصر: تعصيب العينين لساعات طويلة وأحيانًا لأيام وأسابيع، وتقييد اليدين على مدار الساعة ولأسابيع وشدها بشكل يؤدي إلى نزيف دموي وبتر للأعضاء. إجبار الأسرى على طأطأة رؤوسهم في وضعية القرفصاء والنوم على بطونهم لفترات تصل لأسابيع وشهور. الضرب الشديد بالهراوات والأحذية العسكرية وكابلات الكهرباء على مختلف أنحاء الجسد ومنها المناطق الحساسة. الضرب بمطرقة الحديد على الظهر والركبتين. القيام باعتداءات لا أخلاقية مشينة. التجويع والتعطيش. الصعق الكهربائي. الشبح بوضعيات مختلفة ولساعات طويلة، وحني الظهر بأسلوب شبح «الموزة»، وتقييد أيدي وأقدام الأسرى وإجلائهم أو إجبارهم على الوقوف لفترات طويلة وحرمانهم من النوم أو الراحة أو قضاء الحاجة. التعرية الكاملة للأسرى ومنهم النساء. إطلاق الكلاب البوليسية على الأسرى لتنهش لحومهم حتى الموت.

إضافة للعقوبات الجماعية، كمنع خروج الأسرى من الغرف والتعرض للشمس. منع الاستحمام، منع الصلاة، الحرمان من الملابس أو تبديلها. حرمان الأسرى من قص شعورهم ولحاهم وأظافرهم. الحرمان من النوم وسحب الأغطية والفرش. إضافة إلى الجرائم الطبية، من خلال الحرمان من العلاج، خاصة ومنهم مرضى بأمراض مختلفة منها السرطان، وانتشار الأمراض الجلدية بين المساجين. ومن أبرز نتائج هذا التعذيب: استشهاد عشرات الأسرى، بتر أعضاء وأطراف الأسرى، فقدان الذاكرة، حالات الإغماء الدائم، نزيف الدم من الفم ومختلف أنحاء أجسادهم، نقصان وزن الأسرى بأكثر من ٤٠ كيلو جراما، وصولاً لأجساد منهكة لا تقوى حتى على المشي. إضافةً إلى التعذيب النفسي الممنهج الحاط من الكرامة.

لقد أقام الغرب الدنيا ولم يقعدها على عشرات الأسرى الذين قامت بأسرهم حركة حماس في السابع من أكتوبر، في بداية معركة طوفان الأقصى، بالرغم من تأكد الجميع أن حركة حماس كانت حريصة على سلامتهم وعاملتهم بما توجبه تعليمات الدين الإسلامي الحنيف، من وجوب معاملة الأسرى معاملة حسنة وهذا ما أكده الأسرى المفرج عنهم في نوفمبر من العام ٢٠٢٣م ، أثناء الهدنة المؤقتة، وكذلك التسجيلات المرئية، التي تُنشر بين الحين والآخر، بالرغم من وحشية القصف الصهيوني المجرم على قطاع غزة وإبادة الأرض وما عليها من بشر وشجر وحجر، أدى إلى قتل عدد كبير من هؤلاء الأسرى. ولكن بالمقابل، لزم الغرب والعالم - وبالطبع العرب - الصمت تجاه ما يجري للفلسطينيين الأبرياء من تعذيب وتنكيل وقتل في السجون الصهيونية، بالرغم من تأكيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية والمؤسسات الحقوقية في العالم لهذا الإجرام. وهي بكل المقاييس جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان لا تسقط بالتقادم.

خالد بن عمر المرهون، متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق