إدارة ترامب الجديدة وإعادة تشكيل النظام العالمي - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: قاسم مكي -

الجرأة التي يُعيد بها الرئيس دونالد ترامب تشكيل قواعد الدبلوماسية الأمريكية تصيب المرء بالدوار. وتهديده بفرض رسوم جمركية ضد أصدقاء أمريكا يأتي في وقت سيء. فالنمو توقف في العديد من بلدان مجموعة السبع والدول تصارع لمعالجة التضخم وستكون الرسوم مؤذية للقطاعات التي تعتمد على التجارة.

مناورات ترامب الجيوسياسية أسوأ دون شك (من رسومه الجمركية)؛ فالبلدان التي تعتمد على العون الأمني الأمريكي كأوكرانيا وتايوان تخشى من التخلي عنها. والآن تم إبلاغ كل من كندا وجرينلاند بأنهما في قائمة الأراضي التي تسعى الولايات المتحدة إلى الاستحواذ عليها، ويسارع القادة الوطنيون في المكسيك وكندا وأوروبا لإيجاد رد مناسب.

التودّد إلى الرئيس ترامب أحد الخيارات وهو يُجرَّب الآن، لقد نصح جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لترامب قادة العالم «بإجراء مكالمات هاتفية معه ولقائه ومحادثته حول كل شيء، وإذا فشل كل ذلك عليهم تعلُّم كيفية لعب الجولف».

لكن هذا ليس رهانا مضمونا لكسب ودِّ ترامب، والقادة الديمقراطيون الضعفاء في بلدانهم قد يدفعون ثمنا غاليا. لقد طار جاستن ترودو رئيس وزراء كندا إلى منتجع «مارا لا جو» في أواخر نوفمبر لاستمالة ترامب بشكل مباشر بشأن تهديده بفرض الرسوم الجمركية. فعل ذلك على الرغم من اعتراض نائبته كريستيا فريلاند التي نادت بِردٍّ أشدّ واستقالت لاحقا احتجاجا على ذلك، كانت تلك هي الضربة الأخيرة لحكومة ترودو الضعيفة وقادت مباشرة إلى استقالته هذا الشهر.

اتخذت زعيمة المكسيك كلوديا شينباوم موقفا أكثر تشددا وهددت بفرض رسوم انتقامية. أما خلف الكواليس فتعزز شينباوم جهودها على صعيد آخر وأعلنت عن عمليات مصادرة عديدة لحبوب الفنتانيل؛ فإظهار القوة العلنية والامتثال الهادئ قد يتضح أنهما الاستراتيجية الصحيحة. لكن لا أحد يعلم حتى الآن.

تبدو الصين أكثر يقينا بشأن ردها وتبنت استراتيجية الرد الاستباقي. لقد مددت رسوما جمركية على واردات أمريكية معينة وعقوباتٍ على شركات أمريكية. فالرئيس شي جينبينج خلافا لنظرائه في أوروبا وكندا ليست لديه خشية تذكر من رد فعل محلي. يقول ايفان ميديروس مسؤول الأمن القومي السابق في إدارة أوباما «استراتيجية الصين تشمل الرد الانتقامي والتكيف والتنويع».

أوروبا في الأثناء منقسمة. في اجتماع للمنتدى الثلاثي في مدريد شجع انتوني جاردنر السفير الأمريكي السابق للاتحاد الأوروبي في إدارة أوباما الأوروبيين على التخطيط لفرض رسوم انتقامية على الواردات الأمريكية. وينادي آخرون بعقد صفقات جذابة للإدارة الأمريكية من خلال الوعد بشراء أسلحة وغاز طبيعي مُسال من الولايات المتحدة.

قد يكون لتهديدات ترامب أيضا أثر تلطيفي على الإجراءات المتخذة ضد الشركات الأمريكية. فالأخبار تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يتراجع عن تحقيقاته حول شركات التقنية الأمريكية العملاقة. على أوروبا الإحاطة علما بالمقاربة المتكاملة التي تعتمدها المكسيك فيما هي تخطط لخطوتها التالية. وعليها أن تعمل بجد لكي تتحد.

لكن بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا قد تترتب عن الرد المتشدد تكلفة جيوسياسية باهظة. لقد دعا ستيفن ميران الذي اختاره ترامب لرئاسة مجلس مستشاريه الاقتصاديين إلى التهديد بسحب المساعدات الدفاعية والأمنية الأمريكية إذا رد حلفاء الولايات المتحدة برسوم جمركية خاصة بهم. وفي وقت يشهد حربا كبرى في القارة تبدو رهانات ضبط أوروبا ردها بطريقة صحيحة أعلى من أية منطقة أخرى في العالم.

مناورات ترامب الجيوسياسية توجد مخاوف من حجم مختلف. فوعده بعقد صفقة حول أوكرانيا يثير ثلاثة أسئلة على الأقل لأوروبا.

أولها، ماهي خطوط ترامب الحمراء (إن وجدت) بالنسبة لبوتين وأوكرانيا؟ وثانيها، إذا تخلى ترامب عن أوكرانيا هل تنتهي المسألة هنا أم سيتخلى أيضا عن تعهدات الولايات المتحدة الأمنية لأوروبا؟ وأخيرا، إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للمساومة أو حتى التخلي عن سيادة أوكرانيا على أراضيها هل هذا يعني أنها ستفعل نفس الشيء للدول (الصغيرة) الأخرى حول العالم؟

حديث ترامب الأخير عن الاستحواذ على جرينلاند وضم كندا يهدد بجعل انتهاك السيادة قضية مفتوحة ويفاقم المخاوف من أن يؤدي استخفافه العلني بسيادة الدول إلى إعادة ترتيب جذري للنظام العالمي. وهذا سينطوي على مخاطر كبيرة للولايات المتحدة. فإذا ضعفت القيود المعيارية والقانونية على السيادة ستزداد الضغوط على صدقية الردع الذي يحول دون استخدام القوى الكبرى الأخرى الإكراه أو القوة العسكرية المحضة لتعديل الحدود. وهذه مسألة خطيرة في أي صراع مع الصين خصوصا حول تايوان.

بالنسبة لتايوان هنالك حالة من البلبلة تتعلق بوجودها. هل يسعى ترامب إلى مساومة كبرى مع بكين؟ أم أنه ببساطة سيعيد السياسة الأمريكية إلى موقفها السابق. وهو موقف غموض استراتيجي (حقيقي) حول ما ستفعله الولايات المتحدة إذا اندلع صدام بين الصين وتايوان؟

التحدي للقادة هو كيفية فهم نوايا ترامب. ربما يخطط أساسا للحفاظ على وضع الولايات المتحدة الحالي في العلاقات الدولية وهو ببساطة يستخدم تكتيكات غير تقليدية للوصول على نحو أفضل إلى الأسواق والحصول على تحالفات أقوى وأكثر توازنا. في تلك الحال قد تكون الترضية والدبلوماسية والزيارات والهدايا واتخاذ خطوات للامتثال لمطالبه ردا ذكيا (على تهديداته).

لكن إذا كانت لدى ترامب مخططات حقيقية حول كندا وجرينلاند ويرتب للتخلي عن تايوان وأوكرانيا كجزء من مخطط كبير لنظام عالمي جديد سيلزم في هذه الحال على شركاء وحلفاء الولايات المتحدة تبني رد استراتيجي بقدر أكبر ولكن أكثر تشددا وأطول أمدا.

هذا يعني استثمار المزيد من الموارد في الدفاع. كما يستوجب أيضا إيجاد بدائل لقوة الولايات المتحدة وشراكتها. بالنسبة لأوروبا هذا التدبير يصبح مهما باطراد خصوصا حول مسألة الصين. فتعزيز العلاقات مع الصين يمكن أن يكون ردا براجماتيا على الولايات المتحدة إذا كانت جادة بشأن التخلي عن التزاماتها وتعديل سياساتها الراسخة. فمن الخطورة أن يرغب ترامب من أوروبا «فقط» الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة.

رئاسة ترامب تثير اهتماما جديدا بمسألة تعهدات الولايات المتحدة. لكن هذه المسألة كانت موجودة رغم عدم بروزها على مدى عقود.

ففي عام 1984 نشر جوزيف جوفِه الباحث بمؤسسة كارنيجي مقالا أصبح الآن شهيرا تحت عنوان «المُهدِّئ الأمريكي لأوروبا. « ينبِّه جوفِه إلى حقيقة «تعهيد» البلدان الأوروبية أمنَها إلى الولايات المتحدة. وبعد ما يزيد عن عقد لاحقا كتب جون ماشينماير مقالا بعنوان «مستقبل المُهدِّئ الأمريكي» يجادل فيه بأن هياكل القوة في أوروبا غير قابلة للاستدامة والسيناريو المرجح في أوروبا هو «خروج أمريكي في نهاية المطاف». (يقصد الباحثان بالمُهَدِّئ الأمريكي دور الولايات المتحدة من خلال وجودها العسكري في أوروبا وحلف الناتو في تهدئة التوترات ومنع الصراعات بين الدول الأوروبية وإتاحة بعد الحرب العالمية الثانية - المترجم.)

إذا كانت إدارة ترامب تؤذِن بحلول نظام عالمي جديد ستتطلب مواجهة التحدي ما هو أكثر من الزيارات المتسرعة لمنتجع مار لا جو أو البيت الأبيض. ستحتاج إلى تفكير هادئ والاستعداد للأسوأ والى إدراك واضح لما يحرك الرئيس الأمريكي؟ كما سيحتاج القادة أيضا إلى موازنة الضغوط المتباينة في الداخل.

لكن فهم نوايا الآخرين حتى في أفضل الأوقات محفوف بالتحديات. لقد أظهر ترامب قبل دخوله البيت الأبيض أن من الصعب التنبؤ بما سيفعله وأبدى استعداده لاختبار حدود تحالفات الولايات المتحدة بطرائق غير متوقعة تماما. هذا يجعل إدراك نواياه أمرا مُلِحَّا وبالغ الصعوبة في الوقت نفسه.

ليزلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكتين بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس)

الترجمة خاصة لـ عمان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق