جاء تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في إحدى قاعات الكونجرس وسط حضور رسمي أمريكي ودولي وتغطية إعلامية عالمية كبيرة حيث إن الرئيس الأمريكي الجديد في البيت الأبيض سوف يكون له تأثير كبير ليس فقط على قضايا الولايات المتحدة الأمريكية الداخلية ولكن على صعيد قضايا العالم.
انتظر العالم خطاب الرئيس الأمريكي ترامب الذي أصبح الرئيس ٤٧ في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وللمرة الثانية، وعلى ضوء تحليل مفردات الخطاب الذي استغرق نصف ساعة جاءت التوجهات متطابقة مع القضايا الوطنية والخارجية التي كانت أساس حملته الانتخابية سواء فيما يخص قضايا الداخل الأمريكي أو على صعيد القضايا الدولية خاصة الصراعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يبدو أن موضوع الهجرة غير القانونية من الدول المجاورة للولايات المتحدة الأمريكية وخاصة المكسيك تصدرت المشهد علاوة على قضايا التضخم والطاقة والتصدي لمؤسسات الدولة الأمريكية العميقة، ومن هنا لم تكن هناك معطيات جديدة على صعيد قضايا الداخل، ويبدو أن الرجل يتجه إلى تلك القضايا الوطنية بكثير من الحسم من خلال عدد من الأوامر التنفيذية التي وقعها بعد نهاية حفل التنصيب ولعل في مقدمتها حملة وطنية لإخراج آلاف المهاجرين غير الشرعيين، كذلك تواصل التنقيب على النفط الصخري علاوة على التوقيع على عشرات القرارات التنفيذية التي تمثل برنامج الرئيس الأمريكي ترامب.
الرئيس الأمريكي لديه قضايا داخلية يتسم بعضها بالتعقيد ولكن سيطرة الحزب الجمهوري على الأغلبية في الكونجرس سواء في مجلس الشيوخ أو النواب سوف يعطيه الفرصة في تمرير تلك القرارات التنفيذية وغيرها من القرارات خلال سنوات حكمه في البيت الأبيض، كما أن مواجهة مؤسسات الدولة العميقة داخل الولايات المتحدة الأمريكية سوف تكون من المهام الصعبة على صعيد البيروقراطية والمصالح التي تحدث عنها في خطاب التنصيب. ولعل السؤال الأهم الذي يردده الشعب الأمريكي هو هل ينفذ ترامب كل تلك الوعود والبرامج على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وفي مجال الصحة العامة والتضخم؟ أم أن فترة حكمه الأخيرة في البيت الأبيض قد تفرض عليه بعض القيود؟ كما أن طموحات الرئيس الأمريكي ترامب في انطلاق العصر الذهبي للولايات المتحدة الأمريكية بمجرد فترة زمنية تمتد أربع سنوات فيه مبالغة كبيرة وهي أقرب إلى الاستعراض خلال خطاب يريده ملهما لملايين الأمريكيين، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه تحديات حقيقية على صعيد الديون الداخلية والخارجية، وعلى صعيد النمو الاقتصادي والمنافسة القوية مع عملاق آسيا والعالم الصين، علاوة على اختلافات جوهرية مع حلف الناتو وأيضا مع دول الجوار الجغرافي وهي دول أمريكا اللاتينية خاصة المكسيك وفنزويلا والبرازيل وحتى بنما حيث يريد السيطرة على جغرافيا دولة أخرى.
من القضايا الوطنية التي سوف تشكل تحديا كبيرا خلال فترة حكم ترامب هو الإنفاق العسكري الكبير خاصة على القواعد العسكرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية والتي يقدر عددها بأكثر من ٨٠٠ قاعدة توجد في القارات الخمس حول العالم، وعلى ضوء ذلك فإن خطاب التنصيب للرئيس الأمريكي ترامب به الكثير من الطموحات وهذا يعتمد على الظروف السياسية الداخلية واتجاهات المنافسين خاصة مجموعة بريكس والتي تشكل التحدي الاقتصادي الأهم أمام طموحات الرئيس الأمريكي ترامب.
على صعيد القضايا الخارجية فإن الرئيس الأمريكي ترامب يتحدث عن عالم جديد يسوده السلام والازدهار الاقتصادي دون وجود محددات واضحة فقضية التطبيع مع عدد من الدول العربية سجلت فشلا ذريعا على الصعيد الشعبي خاصة بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ حيث الهزيمة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي التي مني بها في قطاع غزة، بل سجلت تلك المواجهة التي تواصلت على مدى ١٥ شهرا ظهور حركات المقاومة في اليمن والعراق علاوة على حزب الله ضد الكيان الصهيوني. ومن هنا فإن قضايا المنطقة العربية وخاصة القضية الفلسطينية تعَد حجر الزاوية إذا كان الرئيس الأمريكي ترامب يريد أن يترك أثرا تاريخيا في العالم كما تحدث في خطاب التنصيب. ومن هنا فإن المقاربة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد على إيجاد حل سياسي شامل وعادل للقضية الفلسطينية ومن خلال حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، ومن دون حل القضية الفلسطينية على أسس قوانين الشرعية الدولية فإن مسألة قطار التطبيع والسلام الإبراهيمي لن يجدي نفعا، خاصة وأن المقاومة الفلسطينية ومن خلال المواجهة الاستراتيجية مع الكيان جعلت القضية الفلسطينية تبرز بقوة على صعيد المشهد السياسي الدولي رسميا وشعبيا سواء في الغرب أو الشرق، وانكشف الاحتلال الإسرائيلي كنظام عنصري لا يحترم القوانين الدولية وارتكب جيشه إبادة جماعية تمت إدانتها من المحاكم الدولية وصدرت بحق نتنياهو أحد أسوأ مجرمي العصر الحديث مذكرة اعتقال ووزير دفاعه والقيادات العسكرية، وأصبح الكيان منبوذا في العالم من خلال ارتكابه لتلك الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين وفي جنوب لبنان.
وعلى ضوء ذلك فإن طموحات تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس ترامب تعتمد بشكل أساسي على حل سياسي للقضية الفلسطينية ولجم المشروع الصهيوني العالمي.
ومن هنا فإن أمام الرئيس ترامب مرحلة حاسمة خلال السنوات الأربع القادمة خاصة وأن المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي شهد متغيرات كبيرة بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل خاص ومن هنا فإن الخطاب الأمريكي وتطبيق مفرداته يحتاج إلى نوايا مخلصة تخدم حتى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، خاصة وأن واشنطن لديها مصالح كبيرة مع العالم العربي وعلى ضوء انتهاء اللحظة التي شاهدها العالم لتنصيب الرئيس الأمريكي ترامب ودخوله البيت الأبيض فإن مرحلة جديدة سوف يشهدها العالم إما من خلال تجفيف منابع الصراع والحروب وإقامة السلام الشامل والعادل خاصة على صعيد القضية الفلسطينية ومن خلالها انتهاء الحروب والصراعات الأهلية في السودان وليبيا واليمن وصراعات أفريقيا، وإما تكون السنوات الأربع للرئيس الأمريكي ترامب هي مجرد مرحلة زمنية قد يحقق فيها طموحات الداخل على حساب مصالح الخارج خاصة على صعيد الطاقة وفرض الضرائب على الصادرات التي تأتي من الدول، وهنا تأتي أكبر المشكلات على الدول المنتجة والمصدرة للنفط وأيضا على صادرات الدول مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
0 تعليق