لماذا تحتاج القدس العربية إلى دراسات وأبحاث كثيرة لمختلف زوايا حضورها معماريا واجتماعيا واقتصاديا وثقافـيا؟ لماذا تبدو أهمية البحث عن تاريخ القدس بمراحلها كافة غاية فـي الأهمية؟ لا يبدو السبب صعب الإجابة، فكل فلسطيني وعربي يعرف أن القدس هي بوصلة الحرية وامتحان الاستقلال ومربط فرس النضال الفلسطيني ومركز الحساسية القومية الدينية للشعب الفلسطيني والعربي، وتعاني القدس حصارًا قديمًا جديدًا من كل النواحي، والهدف واضح وهو إجبار الناس على مغادرتها؛ ليستفرد بها اليهود، لطمس معالمها الإسلامية والمسيحية العربية، لكن الناس هناك مصممون على البقاء، رغم شح الموارد وصعوبة المعيشة، وهذا يفسر سياسية التنكيل المستمرة بالمواطن المقدسي.
بين أيدينا كتاب توثيقي مهم صدر حديثا عن المكتبة الخالدية فـي القدس (النقوش فـي المتحف الإسلامي وفـي قبة الصخرة الأموية)، ومكتبة الخالدية أول مكتبة عربية عامة فـي القدس تأسست عام 1900 فـي جوار الحرم الشريف، وحائط البراق، وهي من أوقاف العائلة الذرية ولا تتوخى الربح التجاري، الكتاب الذي أعده بحرفـية ممتازة وتنظيم مبهر، الباحث الدكتور خضر سلامة مدير المكتبة الخالدية يتناول تاريخ ومصادر وشكل النقوش، وهو موضوع غاية فـي الأهمية كما أسلفنا من زاوية تأكيد هوية القدس وماضيها الممتد والساطع بالوجود العربي الإسلامي الفلسطيني، ومن زاوية الاحتفاء بالمستوى الحضاري الرفـيع الراقي الذي وصلته صناعة النقوش فـي فلسطين. يقسّم الكاتب الكتاب إلى فصول عدة بعد مقدمة عن تاريخ المتحف الفلسطيني: النقوش الأموية، والنقوش العباسية، والنقوش الفاطمية، والنقوش الأيوبية، والنقوش المملوكية، ونقوش نحاسية وخشبية مملوكية وعثمانية، ونقوش عثمانية، وأخيرا النقوش الخشبية العثمانية فـي قبة الصخرة.
فـي مقدمته يقول الدكتور خضر سلامة موضحًا مصادر نقوش المتحف: «إن مجموعة النقوش التي فـي المتحف الإسلامي، جاءت من عدة مدن فلسطينية، وقد تكون المواقع فـي هذه المدن هي الأصل الذي كتبت له مثل القلاع والقبور والمساجد والمدارس، والخانات والأسبلة، أو من الأماكن التي تم إعادة استخدامها، فـيها كحجارة عادية فـي البناء، مثل بعض النقوش التي أحضرت من المسجد الأقصى أو قبة الصخرة، واستخدمت فـيها حجارة عادية لأجل الترخيم، أو فـي مداميك البناء فـي أماكن الحجارة العادية).
وعن انتشار الاهتمام بالنقوش فـي القدس بشكل خاص وفـي فلسطين بشكل عام، يوضح الكاتب أن دراسة النقوش كانت ضمن معرفة الشرق، وكان للاستشراق دور فـي ذلك، حيث بدأت اهتماماته بالمشرق العربي فـي القرن التاسع عشر، وقد اشتمل ذلك على دراسة ما تبقى من الحضارات السابقة، ومن مخلفاتها لأسباب مختلفة، لا مجال لذكرها فـي هذا المكان.
ويسرد الكاتب تاريخ ودور المتحف الإسلامي بالقدس: تأسس المجلس الإسلامي الأعلى من قبل الانتداب البريطاني عام 1921 وكان من أول قرارات المجلس التي تدل على مقدار كبير من الوعي والإدراك لقيمة التراث الإسلامي فـي فلسطين هو إنشاء المتحف الإسلامي ومكتبة المسجد الأقصى، كان موقع المتحف خارج باب الناظر فـي البداية ثم نقل إلى داخل الحرم الشريف سنة 1927 إلى مكانه الحالي فـي الزاوية الجنوبية الغربية للحرم الشريف. سألنا الكاتب عن موضوع هذا البحث فأجاب: تتعلق هذه الدراسة بشكل أساسي بإحدى مجموعات المتحف وهي النقوش المتناثرة فـي ثنايا المتحف الإسلامي، إضافة إلى النقش الأصلي، الذي يرجع إلى الفترة الأموية، على قبة الصخرة، والنقوش النحاسية التي ترجع لنفس الفترة وأضيف إلى هذا البحث عدة نقوش وجدت فـي مخزن قسم الآثار الإسلامية، وقد كُتب قسم من النقوش بالخط الكوفـي، والذي ُيعرف بأنه من أقدم خطوط التدوين فـي الفترات الإسلامية، سواء على الرق أو الحجارة أو المعادن).
الكاتب فـي سطور
خضر سلامة، دكتوراة فـي التاريخ العثماني، وهذا هو الكتاب الثاني فـي فترة عمله مع المتحف الإسلامي فـي المسجد الأقصى المبارك، والكتاب الأول كان عن المصاحف والمخطوطات القرآنية، فـي المتحف الإسلامي، ونُشر باللغتين العربية والإنجليزية، وللمؤلف عدد من الكتب والمقالات المختلفة عن تاريخ القدس وتاريخ الحركة الثقافـية فـي المدينة. يعيش فـي مدينة القدس.
0 تعليق