مبادئ الغباء الستة! - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: أحمد شافعي -

كان هذا الأسبوع هو الأسبوع الذي حقق فيه الصينيون مكاسب مذهلة في الذكاء الاصطناعي وحقق فيه الأمريكيون مكاسب مذهلة في الغباء البشري. سامحوني ولكني أنظر إلى سلوك إدارة ترامب خلال الأسبوع الماضي فلا أجد غير كلمة وحيدة تصفه بدقة هي: الغبي.

ولا أقول إن أعضاء إدارة ترامب يفتقرون إلى الذكاء. فكلنا نعرف أشخاصا ذوي مستويات ذكاء عالية ويتصرفون بغباء الصخور. ولست أعتقد أصلا بوجود أشخاص أغبياء، إنما هي سلوكيات غبية. ومثلما قال المؤرخ الإيطالي كارلو سيبولا ذات مرة: «احتمال كون شخص معين غبيا لا علاقة له بأي سمة أخرى يتسم بها هذا الشخص».

ولا أقول بالقطع إن أنصار دونالد ترامب أقل ذكاء ممن عداهم. فقد عرفت على مدار السنين العديد من الديمقراطيين الذين يكرهون التنوع الفكري. وعندما تكون لهم السيطرة على نظام ـ سواء أهو النظام الأكاديمي أم الإعلام السائد أم المنظمات غير الربحية أم الخدمة المدنيةـ فإنهم ينزعون إلى فرض عقيدة جامدة وخانقة تجعل كل من في النظام أشد غباء وتقيدا بالقواعد وانعزالا. ولو أن الجمهوريين يريدون تغيير هذا فإنني أقول لهم افعلوا هذا.

إن تعريفي للغباء هو أنه التصرف بطريقة تتجاهل هذا السؤال: ماذا قد يحدث بعد ذلك؟ فإن جاءك شخص ما وقال لك:«أعتقد أنني سأخرج للتنزه في عاصفة رعدية حاملا على رأسي هوائيًا نحاسيًا»، فإن الغباء يجيبه بقوله إن «هذه تبدو فكرة رائعة حقا!». الغباء هو الميل إلى اتخاذ إجراءات تؤذيك وتؤذي من حولك.

لقد أنتجت الإدارة الأمريكية وابلا من الغباء هذا الأسبوع، فقد جددت تهديداتها بفرض تعريفات جمركية مدمرة على كندا والمكسيك من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في أمريكا. وحاولت القيام بتطهير عام واسع النطاق للقوة العاملة الفيدرالية، دون أن تسأل ـ على ما يبدو ـ كيف يحتمل أن يؤثر هذا التطهير على أعمال الحكومة. ولكنني أود أن أركز على واقعة أخرى: محاولة تجميد الإنفاق الفيدرالي على برامج المساعدة، ثم قرار ترامب اللاحق بعكس المسار وإلغاء التجميد.

عندما أعلنت الإدارة عن التجميد، حددت هدفها الواضح من ذلك، وهو إلغاء تمويل أشياء من قبيل برامج التنوع والمساواة والإدماج التي لا يوافق عليها ترامب. كان شأن إدارة حكيمة أن تختار البرامج التي تعارضها وتركز على تخفيض تمويلها، من خلال عملية راسخة معروفة باسم سلطة الإلغاء. لكن إدارة ترامب قررت فرض تجميد غامض وغير مدروس على ما زعمت أنه يزيد عن 3 تريليونات دولار من الإنفاق الفيدرالي. وفجأة، لم يعد المرضى المشاركون في تجارب السرطان بالمعاهد الوطنية للصحة يعرفون ما إذا كان بإمكانهم أن يواصلوا علاجهم، ولم يعد مسؤولو برنامج (هيد ستارت) لرعاية الطفولة يعرفون ما إذا كانوا يستطيعون سحب الأموال الفيدرالية، ولم تعد المدن والولايات في جميع أنحاء أمريكا تعرف ما إذا كانت ستجد أموالا لقوات الشرطة والمدارس وبرامج التغذية وإصلاح الطرق السريعة وغيرها من الخدمات الأساسية.

كانت سياسة ترامب هذه أشبه بمحاولة علاج حب الشباب بقطع الرأس. ولا يبدو أن أحدا قد تساءل: إذا جمدنا كل إنفاق المنح، فماذا قد يحدث بعد ذلك؟ وما كادت تداعيات هذا الغباء تتضح، حتى عكس ترامب مساره. وها هي نبوءتي الكبيرة لهذه الإدارة: سوف تنتج سلسلة ثابتة من السياسات الغبية، وعندما تبدأ عواقب هذه السياسات في التأثير على معدل قبول ترامب، فإنه سوف يتراجع عن هذه السياسات أو يقلل من أهميتها أو يتخلى عنها. فهو يحب الشعبية أكثر من أي فكرة.

ويبقى صحيحا مع ذلك أننا سوف نضطر إلى تعلم الكثير عن الغباء خلال السنوات الأربع المقبلة. ولقد لخصت ما تعلمته حتى الآن في ستة مبادئ رئيسية:

المبدأ الأول: الأيديولوجية تنتج الخلاف، أما الغباء فينتج الارتباك. وخلال الأسبوع الماضي، قضى الناس في المؤسسات بجميع أنحاء أمريكا بضعة أيام وهم يحاولون أن يعرفوا ما الذي يحدث. وهذا ما يحدث عندما تجمد الحكومة ما يقرب من ثلاثة تريليونات دولار من الإنفاق بمذكرة من صفحتين تبدو وكأن من كتبها متدرب غرير. وعندما يتولى الغباء السيطرة، كما يزعم أستاذ الأدب باتريك مورو، فإن الكلمات تتفكك «فتفقد علاقتها بالواقع».

المبدأ الثاني: الغباء غالبا ما يكون متأصلا في المنظمات لا في الأفراد. فعند إقامة منظمة يكون لرجل واحد فيها كل السلطة ويضطر كل الآخرين إلى تملق أفكاره المسبقة، فسوف ينتج الغباء عن ذلك بالتأكيد. ومثلما قال عالم اللاهوت الألماني ديتريش بونهوفر: «هذا قانون اجتماعي نفسي مطلق: سلطة الواحد بحاجة إلى غباء الآخر».

المبدأ الثالث: الأشخاص الذين يتصرفون بغباء يكونون أكثر خطورة من الأشخاص الذين يتصرفون بشرّ. فالأشرار يكون لديهم على الأقل بعض الإحساس الدقيق بمصالحهم الذاتية، وهو ما قد يكبح جماحهم. أما الغباء فعظيم الجسارة! الغباء لديه بالفعل كل الإجابات!

المبدأ الرابع: الأشخاص الذين يتصرفون بغباء لا يكونون واعين بغباء أفعالهم. ولعلكم سمعتم عن تأثير دونينج-كروجر، وهو أن غير الأكفاء يفتقرون إلى المهارات اللازمة لإدراك عدم كفاءتهم.

هيا نقدم نتيجة هيجسيث-جابارد: تحاول إدارة ترامب إقالة الموظفين الحكوميين الذين قد يكونون تقدميين أو لا يكونون تقدميين ولكن لديهم معرفة هائلة بمجال تخصصهم، لتعين بدلا منهم موالين لحركة «إعادة عظمة أمريكا» ممن يفتقرون غالبا إلى المعرفة أو الخبرة في هذا المجال. وقد لا تأتي النتائج بما تشتهيه حركة «إعادة عظمة أمريكا».

المبدأ الخامس: يوشك الغباء أن يكون مستحيل المعارضة. يشير بونهوفر إلى أننا «نكون أمام الغباء عُزلا من السلاح». ولأن الأفعال الغبية تفتقر إلى المنطق، يكون لها دائما وقع المفاجأة. ولا تلقى الحجج المنطقية إلا آذانا صماء. والأدلة المضادة لا تلقى غير الإعراض. وتوصم الحقائق بالتفاهة. ويمضي بونهوفر فيقول إن «الغبي، في سياق هذا كله، يكون على النقيض من الشخص الشرير، فهو راض تماما عن نفسه، ولأن من السهل إزعاجه، فإن الهجوم يجعله خطيرا».

المبدأ السادس: نقيض الغباء ليس الذكاء، بل العقلانية. يعرّف عالم النفس كيث ستانوفيتش العقلانية بأنها القدرة على اتخاذ قرارات تساعد الناس على تحقيق أهدافهم. يميل الأشخاص الواقعون في قبضة العقلية الشعبوية إلى احتقار الخبرة والحكمة والخبرة، وهي مكونات مفيدة للعقلانية. ويتبين أن هذا قد يجعل بعض الشعبويين مستعدين لتصديق أي شيء ـ من نظريات المؤامرة والحكايات الشعبية وأساطير الإنترنت، ومن القول إن اللقاحات ضارة بالأطفال. فهم لا يعيشون داخل كيان فكري منظم وإنما داخل فوضى من الأهواء الصاخبة.

مع مرور الوقت، نشأ في النفس تعاطف متزايد مع الأهداف التي يحاول الشعبويون تحقيقها. فقد أمضت طبقة القيادة في أمريكا الأجيال القليلة الماضية في استبعاد شريحة كبيرة من هذا البلد وتجاهلها ورفضها وإهانتها. والتعرض لهذا الاعتداء أمر رهيب. ويزداد الأمر سوءا عندما تستولي أخيرا على السلطة وتبدأ في الاعتداء على نفسك، وعلى كل من حولك. وفي الواقع، هذا هو الغباء.

ديفيد بروكس من كتاب الرأي في صحيفة نيويورك تايمز

خدمة نيويورك تايمز

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق