التغيير في خصائص منظمات القرن الـ 21 - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

اكتشفت المنظمات العالمية الرائدة وهي تدخل غمار القرن الحادي والعشرين بأنها بحاجة ماسة إلى استخدام أطر فكرية وممارسات إدارية مختلفة تتسم بالإبداع والبعد عن التقليد، وقد نتج عن ذلك ظهور ما يسمى بالمنظمات الذكية دائمة التعلم التي تتسم بالرشاقة وخفة الحركة وتفتح الذهن، وقد بنيت هذه السمات على تغيير جذري في خصائص الإدارة وخاصة الجوانب المتعلقة بإدارة الموارد البشرية، حيث أصبحت هذه الوظيفة بمثابة عقل إستراتيجي مفكر باحث عن حلول ذات معنى لكل ما يتعلق بالبشر وإيجاد العلاج السريع والفعال لمشكلات الأداء والإنتاج والولاء.

وقد تميزت هذه المنظمات بقدرتها الفائقة على إنتاج وتبني الأفكار الابتكارية وسرعة تطبيقها وتقييمها فمن إدارة الجودة.. إلى إعادة الهندسة.. إلى الإدارة الإلكترونية.. إلخ. لم يعد المهم في هذا القرن لمنظمات الريادة هو البحث عن الجديد، بل الأهم من ذلك هو تركيزها على تغيير أساليبها في الإدارة باستخدام الأدوات التي تساعدها على التخلص من الأفكار التقليدية التي لا تتماشى مع الزمن وتطور المجتمع.

وبدراسة عدد من هذه المؤسسات المتميزة، اتضح ارتباط كافة ممارساتها على أساس فكري، يقوم على عدد من المحاور من بينها:

أولا، إعادة اكتشاف القادة: لم يعد القائد هو البطل الذي يملك الكاريزما المتمثلة في الشخصية المتشددة التي تتخذ قراراتها بمفردها بشكل ديكتاتوري ومتسلط، حيث تغيرت المنظمات وأصبح الناس أكثر تعليمًا وذكاءً وإبداعًا، وتراجع في الوقت نفسه الهيكل التنظيمي الهرمي الذي يحتاج إلى وجود مدير يختزل السلطة في شخصيته فقط، وظهر ما يسمى بالهيكل المنبسط (Flat) المرن الذي يحتاج إلى قيادة ذات أسلوب مختلف يقوم على الرؤية والقدوة والإيمان بالتغيير، فالقائد الحقيقي هو من يكسب ثقة التابعين من خلال الإنصات لهم واحترامهم كبشر، وهو من يحيط نفسه بأشخاص أذكياء ذوي عقول متفتحة لديهم القدرة على التفكير والتخطيط الاستراتيجي وإدارة التغيير وتبعاته، يساندون القائد في المواقف والأزمات ويترجمون رؤيته وفكره. لقد أصبحت القيادة مهارة يمكن أن تكتسب بالتعلم وبعيدًا عن جدلية هل القادة يولدون أم يصنعون!

ثانيا، استخدام التقنية: أصبح تأثير تقنية المعلومات بكل قطاعاتها كبيرًا على أداء المنظمات المتميزة وتنظيمها وطريقة عملها وإنجازها وإنتاجها، والأهم من ذلك دمج القطاع المعلوماتي بالمعرفة لتصبح الثورة المعرفية هي الثورة الجديدة بعد الثورة الصناعية، وقد مكنت المعرفة ومنتجاتها المعلوماتية المنظمات المختلفة من الحصول على الميزة التنافسية التي ساعدتها على المنافسة والتميز والسيطرة.

ثالثا، التركيز على التحفيز وتدعيم الابتكار والإبداع: ركزت المنظمات المتميزة على إيجاد بيئة عمل متحركة تتسم بالحرية والتشجيع لكل الآراء الجديدة مع ثقافة تدعو للصراحة والانفتاح ودعم الأفكار الإبداعية، لقد تطلب ذلك إلى تغيير المناخ الثقافي والتنظيمي السائد بحيث تتحول التركيبة العقلية لرجال الإدارة إلى عقلية رجال الأعمال «Entrepreneur» الذين يتقبلون المقترحات الجديدة ويؤمنون بإعطاء الفرص والحرية للعاملين للإبداع والتجربة، وقد واكب ذلك تطبيق جديد لنظم التحفيز المرتبطة بالأداء فتحول نظام الحوافز إلى وسيلة لدعم الأداء الجيد المتسم بالإبداع والانضباط والتفوق على الأقران.

رابعا، إعادة تعريف الجودة: أصبح مفهوم إدارة الجودة الشاملة اليوم أقوى بكثير مما كان عليه في الماضي فلم يعد مجرد قياسات إحصائية للعيوب في المنتجات، ولكنه أصبح مفهوما شاملا يعكس مشاعر الجمهور تجاه الخدمات والمنتجات وتعدى التركيز على جودة الخدمة والمنتج إلى التركيز على كافة العمليات والأنشطة الإدارية والأدائية والإنتاجية.

خامسا، دائرة التعلم: ازداد الطلب في عالم المنظمات الرائدة على المعرفة، حيث أصبحت تعتمد على العاملين أصحاب المفاهيم الخاصة الذين يستخدمون عقولهم قبل أجسامهم وأيديهم، وأصبحت هذه المنظمات تتحرك من التنظيم الوظيفي إلى صياغة المعرفة في شكل نظام يربط المعرفة بكل من الخبرة وأفضل الممارسات من خلال ما يسمى بالتعليم التجريبي الذي يركز على الاستفادة من التجارب وتقييم الدروس المستفادة منها عبر دائرة تعليمية تقوم على مبادئ (خطط، نفذ، راجع، اسأل)، وأصبحت الوظيفة عبارة عن خارطة من (DNA) المهارات واكتسابها يؤدي إلى مستوى من الكفاءة الأدائية.

سادسا، التمكين: يعد التمكين مبدأ أساسيا وأصيلا في أساليب إدارة المنظمات المتميزة الذكية، فالتمكين يعطي العاملين المزيد من المسؤوليات والسلطات مع التأكيد على إعدادهم وإكسابهم المهارات اللازمة خلال مساراتهم الوظيفية المختلفة وبما يمكنهم من الوصول إلى مستوى عال من الثقة بالنفس لممارسة التمكين المنشود.

سابعا، إدارة التغيير: يرتبط النجاح في إدارة التغيير في هذه المنظمات بفكر القيادة التحويلية التي تؤمن بالتغيير وتدعمه وتسهل تنفيذ أدواته ومناهجه، لذلك ينتقل رجالات الإدارة من إدارة المنظمة إلى قيادتها منتقلين فكريا لنموذج يقوم على المشاركة في اتخاذ القرارات والمعلومات، وتكوين فرق العمل، والتطوير التنظيمي، وبث الحماس وتوجيه طاقات العاملين وتحفيزهم.

ثامنا، إدارة الأداء: لقد تميزت هذه المؤسسات بتعاملها المنهجي مع الأداء، فلم تركز على أدوات قياسه فقط بل انتقلت إلى أدوات إدارته وتطويره، معتبرة الأداء دورة حقيقة يربطها نظام يقوم على مدخلات وعمليات ومخرجات، مما حفز العاملين على اعتبار كافة العمليات التي تقيس أدائهم بمثابة فرص حقيقة للتطور والتقدم، ومكن ذلك المديرين والمشرفين من قياس أداء مرؤوسيهم بطريقة منهجية وموضوعية بعيداً عن المحاباة والعواطف، بل أصبحت الرواتب والحوافز مربوطة بنظم تقييم الأداء وقياسه وتطويره.

إن التميز في الأداء هو غاية لكل المنظمات والمؤسسات ولكن تحقيق ذلك يتطلب عملا وجهدا يركز على تغيير الثقافة التقليدية السائدة لكسر الموروثات القديمة وجعل المنظمة تركز على المستقبل مولدة طاقات إبداعية تشحن المنظمة بإرادة التغيير والفكر المتجدد وتختار الأهداف والرؤى بعناية وتنفذها بدقة وفق خطط قابلة للتطبيق والقياس والتقييم.

د. خالد بن سالم الحمداني كاتب عماني

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق