يكفي تنازلات وهدايا لمن لا يعبأ بها - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

في توقيت صادم لعشرات الملايين من العرب ومشاعر ملايين الفلسطينيين ظهرت على السطح، وبقوة، تصريحات علنية لمسؤولين عرب ولدوائر محسوبة على صنع القرار في هذه الدول تطالب أو تعلن عن رغبتها في التطبيع مع الكيان الصهيوني، مقابل إقامة دولة فلسطينية، ظهرت هذه التصريحات فور الإعلان عن وقف الحرب والمجازر، التي شنها الكيان الصهيوني المجرم على قطاع غزة على مدى ٤٧١ يوما؛ والتي راح ضحيتها أكثر من ١٧٠ ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود -٧٠ بالمائة منهم من النساء والأطفال العزل-، وتدمير أكثر من ١٧٠ ألف بناية وكل مظاهر الحياة في غزة، من مستشفيات وجامعات ومدارس ومساجد وكنائس ومنشآت ومؤسسات رسمية وأهلية. وإذا كانت هذه التصريحات من باب تشجيع الكيان الصهيوني وكذلك الإدارة الأمريكية على إيقاف الحرب، فإنني أؤكد هنا، بأن هذا الطرح ليس جديدا، فالعرب سبق وأن تبنوا في ٢٨ مارس من عام ٢٠٠٢م، قرارا صادرا عن القمة العربية الـ١٤ التي عقدت في بيروت بـ«الإجماع»، مبادرة السلام السعودية، التي قدمها ولي العهد السعودي - آنذاك - الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، وصدرت في نص منفصل عن البيان الختامي للقمة، تحت عنوان «مبادرة السلام العربية».

قرأه آنذاك أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، في مؤتمر صحفي بعد اختتام أعمال القمة وأهم ما نصت عليه هذه المبادرة، التأكيد على ما أقره مؤتمر القمة العربية غير العادي الذي عُقد في القاهرة في يونيو ١٩٩٦م، من أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية، يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاما مقابلاً تؤكده إسرائيل في هذا الصدد، داعية إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ عام ١٩٦٧م، تنفيذا لقراري مجلس الأمن (٢٤٢) و(٣٣٨)، واللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد الذي عقد في عام ١٩٩١م، ومبدأ الأرض مقابل السلام.

وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (١٩٤).

وكنتيجة لذلك - وفق المبادرة -اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية السلام بينها وبين إسرائيل، مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. وأكدت بعدها كل القمم العربية تقريبا، وكل الاجتماعات للجان الوزارية والمؤتمرات المعنية بالقضية الفلسطينية، على هذه المبادرة، التي لم يعرب أي رئيس وزراء إسرائيلي منذ ذلك الحين وحتى الآن، عن قبول هذه المبادرة، ولم تقم الولايات المتحدة الأمريكية، الراعي الأهم والأكبر للعلاقات الإسرائيلية العربية بالضغط على إسرائيل لقبول هذه المبادرة.

وفي الإطار نفسه، وبكل حيادية نسأل عن المنافع التي جنتها الدول العربية التي قامت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. لا نجد أنها جنت شيئا، سوى أنها خلقت فجوة كبيرة بين هذه الأنظمة وشعوبها ولم يعط الكيان الصهيوني وقادته أي اعتبار لهذه الدول -المطبعة-، في كثير من الأمور والقضايا عبر هذه السنوات. وتعامل معها بكل علو وعجرفة، دون مراعاة لاتفاقيات التطبيع هذه.

وإذا عدنا إلى اتفاقية أوسلو، أو ما يعرف رسميا باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي وهو اتفاق السلام الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في واشنطن بتاريخ ١٣ سبتمبر ١٩٩٣م، برعاية الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، وإشراف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء الكيان الصهيوني إسحاق رابين، والذي سمي باتفاق أوسلو، نسبة إلى العاصمة النرويجية أوسلو، التي استضافت المحادثات السرية بين الجانبين، وصولاً إلى هذا الاتفاق والذي التزمت بموجبه منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام، والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات.

وأن إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من العنف، وقامت على أثره بتعديل بنود الميثاق الوطني، وإلقاء السلاح، تماشياً مع هذا التغيير. واعترفت حكومة إسرائيل -بدورها- بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات معها. وبعد أكثر من ٣٠ عاما من هذه الاتفاقية، وفق «منظمة بتسليم الحقوقية الإسرائيلية»، و هي منظمة يسارية معروفة بانتقادها سياسات الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية نحو ٧٧٠ ألفا، موزعين على ١٨٠ مستوطنة، و٢٥٦ بؤرة استيطانية. والمستوطنة كما هو معروف، هي التي تقام بموافقة الحكومة الإسرائيلية، أما البؤر الاستيطانية فيقيمها المستوطنون من دون موافقة رسمية من الحكومة، ولكن بالطبع دون ممانعة منها، وما يقارب من ٩٠٠ حاجز أمني إسرائيلي، قطع أوصال الضفة الغربية إلى قطع صغيرة، في دلالة واضحة لا تحتمل لبس أو تأويل، على أن الكيان الصهيوني لن يقبل بدولة فلسطينية مستقلة أو حل للدولتين.

وخاصة أن العقيدة الصهيونية لا تعترف أصلاً بحق الفلسطينيين في الحياة، فكيف بحل للدولتين. ومع وجود شريك أمريكي، مارس ويمارس كل أنواع الدعم والغطاء لهذا الكيان المجرم، ولو على حساب سمعة ومكانة الولايات المتحدة على مستوى العالم، واحترامها للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وهذا ما أتضح بجلاء للعالم أجمع، خلال إدارة بايدن، التي قدمت أكبر دعم عسكري واستخباراتي ومالي لهذا الكيان عبر تاريخه، أثناء عدوانه على غزة. وبمشاركة صريحة وعلنية من الحكومات والعواصم الغربية الفاعلة على المستوى الدولي. وهذا الدور تقوم به بامتياز، إدارة ترامب، الذي يمثل الصقور الداعمين للكيان الصهيوني أبرز أركانها وعناصرها.

أعتقد أن على العرب أن يتوقفوا عن تقديم مثل هكذا هدايا، لكيانٍ لا يحمل مبدأ أو أخلاق أو رغبة في العيش بسلام مع جيرانه. وأن يكفوا عن تصدير ضعفهم وتخاذلهم الواضح، بترحيل قضيتهم الأولى، والرمي بها على أكتاف الآخرين، تحت عنوان أن «على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته»، والتفريط أكثر مما حصل، بمفهوم أمنهم القومي العربي، بتخليهم عن قضيتهم وقضية شعوبهم الأولى وهي القضية الفلسطينية.

وأن يعوا أن هذا العدو لا يعرف إلا لغة القوة، وهذا ما أكدته المقاومة في فلسطين وفي لبنان، وأن يعلموا أن التاريخ لن يرحمهم.

وأن استمرار النظام الرسمي العربي في هذا الضعف، وهو يملك كل عناصر القوة من سلاح وعتاد واقتصاد وقوة بشرية، وفوق كل هذا عقيدة إسلامية توجب عليهم رفع الظلم عن أشقائهم الفلسطينيين يعد وصمة عار على هذا الجيل، لن تنسى من ذاكرة الأمة، ولن يحسب لهم مستقبلاً أي حساب، فيما يُخطط له من إعادة هيكلة هذه المنطقة وفق أهواء ورغبة الكيان الصهيوني وداعميه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق