المرعب في لغو ترامب بشأن غزة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

شيء واحد فقط تثبته خطة الرئيس ترامب للاستيلاء على غزة وطرد مليوني فلسطيني وتحويل الشريط الصحراوي الساحلي إلى ما يشبه قرية سياحية، ذلك الشيء هو مدى ضآلة المسافة بين التفكير من خارج الصندوق والتفكير من خارج العقل.

يمكنني القول بثقة إن اقتراح ترامب هو أغبى وأخطر مبادرة «سلام» طرحها رئيس أمريكي للشرق الأوسط على الإطلاق.

ومع ذلك، لا أعرف أي الأمرين أدعى للخوف: اقتراح ترامب بشأن غزة، الذي يبدو أنه يتغير في كل يوم، أم السرعة التي وافق بها مساعدوه وأعضاء حكومته على الفكرة ـ وجميعهم تقريبًا لم يطلعوا عليها قبل طرحها ـ وكأنهم مجموعة من الدمى ذات الرؤوس المتأرجحة.

انتبهوا هنا سيداتي وسادتي: هذا أمر لا يتعلق بالشرق الأوسط وحده. ولكنه أيضا نموذج مصغر لمشكلة يواجهها بلدنا الآن. ففي ولايته الأولى، كان الرئيس ترامب محاطًا بمصدات من المساعدين والوزراء والجنرالات الذين صدوا أسوأ دوافعه وكبحوها مرات عدة.

أما الآن فلا يحيط بترامب غير مكبرات لصوته من المساعدين والوزراء وأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب ممن يعيشون خائفين من غضبه أو من التعرض لهجوم حشود الإنترنت التي يمكن أن يطلقها رجله إيلون ماسك عليهم إن خرجوا عن المسار.

وهذا المزيج من ترامب مطلق الجماح، وماسْك مطلق اليد، ومعظم الحكومة والمؤسسة التجارية مطلقة الخوف من التغريدات التي قد يطلقها عليهم أي من الرجلين يمثل وصفة مضمونة للفوضى في الداخل والخارج. فترامب أقرب الآن إلى العرَّاب منه إلى الرئيس [إذ يقول مضمرا التهديد]: «عندكم الآن منطقة صغيرة لطيفة (جرينلاند، وبنما، وغزة، والأردن، ومصر) ـ وسيكون من العار أن يلحق بها أذى...».

قد يفلح هذا في السينما، ولكن في الحياة الواقعية، إذا حاولت إدارة ترامب فعليا إجبار الأردن ومصر أو أي دولة عربية أخرى على قبول الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة - وإجبار الجيش الإسرائيلي على جمعهم وتسليمهم، فقد قال ترامب إن القوات الأمريكية لن تشترك في النقل لن يشمل وإن دافعي الضرائب الأمريكيين لن يدفعوا من تكلفته قليلا أو كثيرا- فسوف يؤدي ذلك إلى زعزعة التوازن الديموجرافي في الأردن بين سكان الضفة الشرقية والفلسطينيين، وزعزعة استقرار مصر، وزعزعة استقرار إسرائيل. وبقدر ما يكره الإسرائيليون حماس، فأنا على ثقة من أن العديد من الجنود، إلا المنتمين إلى أقصى اليمين، سيرفضون المشاركة في أي عملية يمكن أن تقارَن بجمع اليهود ونقلهم من منازلهم خلال الحرب العالمية الثانية.

ومثلما قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية: «ما من حلول سحرية قادرة على حل الصراع. وجرأة تقديم هذا الحل - الذي تتردد فيه أصداء مصطلحات النقل والتطهير العرقي وغيرهما من جرائم الحرب - إهانة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين».

فضلا عن أن ترامب سوف يتسبب أيضا في رد فعل عنيف ضد السفارات والمصالح الأمريكية في مختلف أنحاء العالم العربي الإسلامي، مع نزول العديد من المسلمين إلى الشوارع في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا لمقاومة إرغام الفلسطينيين على ترك أرضهم باسم إنشاء ترامب في قطاع غزة منتجعًا شاطئيًا قال ترامب إنه سوف يمتلكه، ولن يكون للفلسطينيين حق الرجوع إليه.

ستكون هذه أغلى هدية يقدمها ترامب لإيران لكي ترجع إلى الشرق الأوسط من خلال إحراج جميع الأنظمة السنية المؤيدة لأمريكا. وسوف تتعرض الشركات الأمريكية من قبيل ماكدونالدز وستاربكس ـ التي تعرضت للمقاطعة بالفعل من جراء تسليح أمريكا لإسرائيل في حرب غزة ـ لضربة أشد.

هل من نقاط على الإطلاق تحسب لترامب؟ حسنا، الإجابة نعم. فهو محق في أن حماس منظمة منحرفة مريضة، أدى قتلها لقرابة ألف ومائتي شخص في السابع من أكتوبر 2023، واختطافها قرابة مائتين وخمسين آخرين، إلى شن إسرائيل هجوما عديم الرحمة على حماس، المختبئة تحت الأرض في غزة، دونما مراعاة للمدنيين في غزة. فقد اتخذت حماس من جيرانها الفلسطينيين قرابين بشرية بهدف نزع الشرعية عن إسرائيل في جميع أنحاء العالم. وبالنسبة لكثير من الصغار الذين يأخذون الأخبار من مقاطع تيك توك، أفلحت هذه الاستراتيجية، وإن تكن أخبث استراتيجية ممكنة.

وترامب محق أيضا في أن غزة أصبحت الآن جحيمًا من جراء ذلك. وترامب محق في أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قائمة منذ أمد طويل جدا بسبب خبثاء في العالم العربي وإسرائيل وقادة فلسطينيين عديمي الكفاءة.

ولن يكون الرجوع من السابع من أكتوبر إلى أي نوع من عملية السلام بالأمر اليسير، ولكن الظن بأن كل شيء قد ثبت فشله ولم يبق من خيار إلا التطهير العرقي ظن خاطئ، ولكن هذا هو ما يريد اليمين الإسرائيلي وحماس أن يصدقه الجميع.

إن من أكبر مشكلات فريق ترامب أن كامل رؤيته للشرق الأوسط تتم عبر عيون اليمين المتطرف الإسرائيلي والمسيحيين الإنجيليين. وغاية ما يعرفه أنصار ترامب عن العالم العربي فإنما هو من خلال مجتمع الاستثمار في الخليج العربي. ومن هنا ولعهم برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فعلى سبيل المثال، يظل وزير الخارجية ماركو روبيو يقول للزعماء العرب: إن «حماس لا يمكن أن تحكم غزة أبدا أو أن تهدد إسرائيل مرة أخرى». ولا يبدو أن روبيو يدرك نهائيا أن نتنياهو هو الذي رتب إعطاء قطر لحماس مئات ملايين الدولارات التي تحولت إلى برنامج لإقامة الأنفاق وتصنيع الأسلحة لتتمكن من حكم غزة إلى الأبد.

لقد أراد بيبي أن تحكم حماس غزة وليس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية فيظل الفلسطينيون منقسمين دائمًا ولا يقدرون أبدًا أن يكونوا شركاء في حل الدولتين - وهو هدف كل رئيس أمريكي منذ جورج دبليو بوش الأب.

والسبب الذي جعل نتنياهو يرفض تحديد قيادة بديلة لغزة هو أنه يعرف أن البديل الوحيد الموثوق به هو سلطة فلسطينية يتم إصلاحها، ولكن اليمين المتطرف في إسرائيل سوف يطيح به هو إذا ما وافق على مثل هذا الحل.

لذلك أرجوكم، أعفوني أنا من فكرة أن الجانبين قد جربَّا، بنية صافية، كل شيء عدا التطهير العرقي.

لو أن ترامب يريد حقًا مسارًا مختلفًا جذريا واستغلالا لبعض الخوف الذي يزرعه في الناس، فليس ذلك من خلال اقتراح منتجع غزة الصبياني هذا. وإنما يكون من خلال استدعاء جميع الأطراف علنا وتحدي كل منهم لأن يقوم فعلا، وبحسن نية، بالعمل الشاق المطلوب للخروج من هذا الجحيم.

ويكون بإخبار السلطة الفلسطينية بأنها إن أرادت أن تحكم غزة فإن عليها أن تقوم فورا بتعيين زعيم جديد ورئيس وزراء جديد فعال ـ شخص مثل رئيس الوزراء السابق سلام فياض. ثم إنه سوف ينبغي على السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها أن تشكل حكومة تكنوقراط لتدعو قوة حفظ سلام عربية إلى أن تتسلَّم غزة من إسرائيل، وتنهي طرد قيادات حماس، وتطلب المساعدة الدولية اللازمة لإعادة بناء غزة. وسيكون لزامًا على هذه القوة العربية أيضًا أن تلتزم بتدريب قوة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية حتى تتمكن في نهاية المطاف من حكم غزة بنفسها، بمساعدة عربية.

ويكون بإخبار نتنياهو بأنه فور أن يبدأ عمل قوة حفظ السلام العربية سيتم تقسيم غزة إلى منطقتي (أ) و(ب). فتحكم السلطة الفلسطينية وقوة حفظ السلام العربية المنطقة (أ) المؤلفة من كل المراكز السكانية، بينما يمكن أن يبقى الجيش الإسرائيلي لعدة سنوات في كامل المنطقة (ب) المحيطة بالمنطقة (أ). وبعد ذلك، سيقيم الفلسطينيون انتخابات في الضفة الغربية وغزة ويتفاوضون على حل الدولتين مع إسرائيل لكلا المنطقتين. وفور بدء هذه العملية، سوف تقوم المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ويمكن أن تمضي معاهدة الأمن بين الولايات المتحدة والسعودية قدما.

يمكن أن يتعلم ترامب في وقت مبكر أو متأخر أن مصالح أمريكا ومصالح نتنياهو ليست متوافقة. فمصلحة بيبي هي استعمال أي وسيلة للبقاء في السلطة، حتى لو أن في ذلك تأخيرا لإطلاق سراح الرهائن، أو خوض حرب إلى الأبد أو التخلي عن احتمال تطبيع العلاقات التاريخي بين الدولة اليهودية والمملكة العربية السعودية. بل لقد قال نتنياهو قبل أيام: إن «السعوديين يمكن أن يقيموا دولة فلسطينية في المملكة العربية السعودية، فلديهم من الأراضي الكثير»، مما أثار رد فعل سعودي قاسيا.

فهل سيفيق ترامب يومًا ما، ويدرك إلى أي مدى ينظر إليه نتنياهو والمتطرفون اليهود في إسرائيل باعتباره ألعوبتهم؟

لقد غضبت المؤسسة الأمنية كاملة في إسرائيل بسبب رفض نتنياهو تحديد خطة تترجم النصر العسكري الذي أحرزته إسرائيل في غزة وتجعل منه انتصارًا سياسيًا مستدامًا. فهذا ما قاله بيبي للكنيست هذا الأسبوع: «إن رؤية ترامب جديدة وخلاقة وثورية وهو عازم على تنفيذها. ولقد كنتم تتحدثون عن «خطة» «اليوم التالي» «في غزة»، فها أنتم نلتم خطة «اليوم التالي» التي أردتموها. كل ما في الأمر أنها ليست رؤية أوسلو. وذلك لأننا لن نكرر هذا الخطأ مرة أخرى». وإذن فإن بيبي يستعمل ترامب لكسب مزيد من الوقت على طريق لا يؤدي إلى أي مكان.

وفي حال وصول بيبي إلى الوجهة التي يريدها، فسوف يتعلم كل شاب يهودي اليوم ما يعنيه أن يكبر في عالم تكون فيه الدولة اليهودية دولة منبوذة.

أكرر يا فخامة الرئيس ترامب: هناك مجال حقيقي لأن تدعو إلى تفكير جديد لهذه المشكلة. ولكن خطتك لغزة الترامبية ليست بالتفكير الجديد. إنما هي ارتجال جديد. وهي مفاهيم مختلطة لخطة سلام طُرحت دون أن يدرسها المساعدون أو الحلفاء، وإنك تغير تفاصيلها كل يوم، مرغما مساعديك مهزوزي الرؤوس على أن يطرقوا بشدة موافقين - دون أدنى اعتبار للمصالح الأمريكية بعيدة المدى أو لمصداقية هؤلاء المساعدين. هي خطة سوف تقتل إسرائيل حبًّا، وتحيي إيران، وتزعزع استقرار كل صديق أمريكي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق