القانون الدولي وإلا شريعة الغاب! - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، اجتمع العالم على قناعة جوهرية مفادها: لا حرب عالمية بعد اليوم. جاءت هذه القناعة بعد أن دفعت البشرية ثمنا باهظا من الدمار والدماء، فكان تأسيس الأمم المتحدة وصياغة منظومة القانون الدولي، التي رغم عيوبها وثغراتها، نجحت في إرساء حد أدنى من التوازن، وأصبحت مرجعية تمنح الدول الصغيرة والضعيفة إحساسا بأن هناك نظاما، يمكن، أن يحتكم إليه الجميع. غير أن طرح الرئيس الأمريكي ترامب حول تهجير سكان قطاع غزة قسرا وتحويل وطنهم إلى «ريفيرا الشرق الأوسط» يتجاوز فكرة المأساة الإنسانية إلى التهديد المباشر لما تبقى من مصداقية النظام الدولي ذاته، وعودة إلى منطق الهيمنة الإمبريالية الذي يُفترض أن العالم تجاوزه منذ زمن بعيد. والغريب أن خطاب التهجير والاستيلاء على الأرض كان خطابا أصيلا لدولة الاحتلال الإسرائيلي ترفضه أمريكا في خطابها الرسمي على أقل تقدير فإذا بها تتبناه بشكل منفرد وتدفع ناحيته بكل قوتها السياسية.. وربما العسكرية.

ورغم أن فكرة تهجير الفلسطينيين من أرضهم ليست جديدة وتعود إلى جذور المشروع الصهيوني ذاته إلا أنها تأتي اليوم في سياق عالمي مختلف، حيث يبدو أن بعض الدول الكبرى لم تعد تشعر بأي التزام تجاه القانون الدولي، بل أصبحت تتعامل معه باعتباره أداة انتقائية تستخدمها متى شاءت، وتتجاهلها متى تعارضت مع مصالحها إلى حد أنها تفعل ذلك دون أي مواربة أو خجل.

ورغم الرفض القاطع من دول العالم: العربية والعالمية وبشكل خاص مصر والأردن، لمثل هذا الطرح الغريب، إلا أن الخطورة تكمن في شرعنة مبدأ تهجير الشعوب تحت ذريعة «تحقيق الاستقرار» أو «إعادة الإعمار». فإذا مر هذا المشروع، وهو بعيد عن ذلك لبعده عن منطق الأشياء، فإن الباب سيكون مفتوحا لدول أخرى تتطلع إلى إعادة رسم خرائطها بالقوة، متجاوزة كل المواثيق الدولية التي يفترض أنها تحكم العلاقات بين الدول.

إن النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن مثاليًا، لكنه كان يحمل على الأقل وهما مشتركا بأن هناك قواعد تضبط العلاقات بين الدول، وأن ثمة خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها.. أما اليوم، فنحن نشهد لحظة فارقة، حيث يتم تقويض تلك القواعد واحدة تلو الأخرى، في ظل صمت دولي متواطئ أو عاجز، والتغاضي عن مشاريع التهجير القسري في كل مكان في هذا العالم، وتبريرها بدعوى التنمية أو الاستقرار، إضافة إلى أنه خذلان جديد للشعب الفلسطيني، فإنه، أيضا، إعلان صريح بأن القانون الدولي لم يعد ذا جدوى، وأن منطق القوة هو الذي سيحكم المرحلة المقبلة.

والتحدي هنا لا يواجه الفلسطينيين وحدهم، بل يواجه العالم بأسره؛ فإذا كانت غزة اليوم مختبرا لتمرير هذه السياسات، فمن يضمن ألا تكون هناك غدا سيناريوهات مشابهة في أماكن أخرى؟ إن الدول التي تراهن على صمتها اليوم، قد تجد نفسها غدا في مواجهة مشاريع مشابهة تستهدف مصالحها وسيادتها. فحين يسقط القانون الدولي، لا أحد في مأمن.

لا تقع المسؤولية فقط على عاتق المؤسسات الدولية، بل على عاتق كل دولة تدّعي التزامها بالمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة، والتنديد وحده لم يعد كافيا، ولا بد من اتخاذ خطوات ملموسة تعيد الاعتبار للقانون الدولي، وتضع حدا لمحاولات تحويل العالم إلى غابة يتحكم فيها الأقوى؛ وإلا، فإننا أمام مرحلة لن تكون فيها غزة وحدها الضحية، بل سيكون العالم كله رهينة لفوضى لا نهاية لها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق