نحو صنع سياسات اقتصادية فاعلة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صنع السياسات عموما من العمليات المعقّدة وتتضمن عدة مراحل بدءا من تحديد المشكلة التي تتطلب معالجة مرورا بتنفيذها وصولا إلى تقييمها، إلا أنها تفتح آفاقا واسعة من الفرص؛ كونها عملية حيوية لأي مجتمع يسعى إلى التقدم والازدهار. وتتأثر السياسات بعدة عوامل أبرزها العوامل الاقتصادية؛ لعدم تناسق بعض السياسات الاقتصادية مع الوضع الاقتصادي للبلدان والموارد المتاحة الداعمة لتنفيذ السياسة الاقتصادية المتخدة، ويتباين نجاح السياسات الاقتصادية في البلدان؛ نظرا لارتباط تنفيذها بمدى القدرة على التفاعل مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم ويتأثر بها خاصة الجوانب المرتبطة بالعولمة مثل التطورات التكنولوجية.

ورغم وجود مؤشرات واضحة على تناغم السياسات الاقتصادية مع ديناميكية الاقتصاد ومدى مواجهته للمتغيرات المحيطة لا سيما المرتبطة بالمجالات السياسية والدولية؛ إلا أن العوامل الاجتماعية تعارض غالبا وجود السياسة الاقتصادية المتخذة مثل القيم الثقافية، والهوية الوطنية، والتنوع الاجتماعي؛ كونها ثوابت لا يقبل المجتمع على المساومة عليها أو المساس بها بهدف المحافظة على كيان المجتمع وعدم الإضرار بمفرداته وأسس تكوينه، حتى لو كانت السياسات عموما تصاغ وتقيّم بناءً على العوائد الاقتصادية. ولذلك فإن السياسات الاقتصادية وإن كانت جذّابة في مجملها أو بمجرد التفكير في وضعها، إلا أنها بمجرد تطبيقها تفقد بريقها بسبب الآثار الاقتصادية المصاحبة لمحاولة تطبيقها، لكن يمكن نمذجتها بحيث تكون السياسة الاقتصادية متّسقة مع الجوانب السياسية والاجتماعية، ولذلك ينبغي أن تتم عملية اتخاذ قرار وضع السياسة الاقتصادية جماعيا مع الوضع في الحسبان الآثار الجانبية للسياسة في حال تجاهل العناصر المرتبطة بها مثل العنصر الاجتماعي الذي بات يحدد كثيرا نتائج صنع السياسة الاقتصادية وربما يتسبب في إرباكها على المدى المتوسط والمدى البعيد؛ لدور العامل الاجتماعي في تحديد السياسة الاقتصادية المناسبة وفاعليتها وقدرتها على التأثير إيجابا على الاقتصاد. ما يواجه صنّاع السياسة الاقتصادية وغيرها من السياسات هو التعقيد المتزايد خلال مرحلة التخطيط للسياسة وإقرارها؛ بسبب تداخل عدة عوامل مع بعضها البعض مما يضع احتمالا قائما بصعوبة تحقيق النتائج المرجوة خاصة عندما تكون السياسة الاقتصادية تلامس الحياة الاجتماعية اليومية للأشخاص وإن كان مجمل السياسة الاقتصادية المتخدة ستعود بالنفع عليهم، ولذلك استخدام نهج النمذجة الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد القياسي سيكون مهما عند التنبؤ بالنتائج المتوقع تحقيقها في حال استمرار المضي في تنفيذ السياسة الاقتصادية المخطط لها.

إن التكامل المحكم بين السياستين النقدية والمالية بهدف تصحيح أي اختلال يطرأ على التوازن الاقتصادي العام، مع الوضع في الحسبان جميع العوامل والعناصر المرتبطة باتخاذ السياسات الاقتصادية يضمن نجاحها وفاعليتها ويحد من التحديات المتوقع ارتفاع وتيرتها خلال مرحلة التنفيذ والتقييم؛ لارتباط بعض العوامل بالسياسات الاقتصادية مباشرة لاسيما العوامل الاجتماعية والسياسة والحياتية عموما، ولأثرها المتوقع على أفراد المجتمع، كما أنه ليس بالضرورة أن يرافق السياسات الاقتصادية آثار سلبية على الأشخاص، فمثلا تطبيق الحوكمة المتمثلة في تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة في سلطنة عُمان ساعد صنّاع السياسات الاقتصادية، والاستفادة من الخبرات الدولية التي تنتهج أفضل الممارسات في صنع السياسات الاقتصادية خاصة الدول التي استفادت كثيرا من الآثار الناتجة عن السياسات وآلية معالجتها وتصحيحها بحيث تتناسب مع العوامل والعناصر المرتبطة بالسياسة الاقتصادية،. وأرى من الجيد إشراك أفراد المجتمع في صنع السياسات الاقتصادية عبر تفعيل المشاركة المجتمعية واستطلاع آراء الجمهور بهدف تجويد بعض الجوانب قبل صنع السياسة واتخاذها، ورغم أن صنع السياسات عموما تمثّل تحديا وتتطلب جهدا كبيرا؛ للمهارات النوعية والقدرات العالية للتعامل مع التعقيد خلال مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم، ولتأثرها بالعوامل الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية، إلا أن هناك فرصا لتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع؛ لاحتمالية التغلب على التحديات التي دفعت صانعي السياسات على اتخاذها وإقرارها، إضافة إلى استكشاف الفرص للإسهام في تحقيق التنمية المستدامة عبر بناء مجتمع مزدهر قادر على التفاعل مع المتغيرات المحيطة به، فالتكامل بين السياستين النقدية والمالية يضمن الاستقرار والتوازن الاقتصادي على المستويين الكلي والجزئي وفقا لما أثبتته النظريات الاقتصادية عبر ضبط معدلات التضخم ومعدل الباحثين عن عمل، إضافة إلى توفير السلع والخدمات بأسعار تتوافق مع القدرة المالية للمستهلكين.

ختاما،، يسعى صنّاع السياسات الاقتصادية إلى تحقيق عدة أهداف خلال مرحلة التخطيط للسياسة الاقتصادية المتفق عليها، منها المحافظة على نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق نسب مرتفعة في التوظيف والتشغيل، واستقرار المستوى العام للأسعار، أيضا هناك أهدافا أخرى تسعى إلى تحقيقها صنّاع السياسة الاقتصادية وهي الأهداف الاجتماعية؛ بهدف إيجاد الاستقرار الاجتماعي وتماسكه من خلال تهيئة البنى الأساسية الداعمة لخدمات المرافق الأساسية، وتمكين أفراد المجتمع على تلبية متطلبات حياتهم الاجتماعية، مما يساعد على وعيهم بالتوجهات الاقتصادية للبلد وحرصهم على ضمان نجاحها وفاعليتها وفقا للخطط الوطنية، هذا بدوره سيسهم في أن يعطي هامشا لصنّاع السياسة الاقتصادية ومتخذيها على تفعيل أدواتها وتطبيقها؛ للتناغم الإيجابي بين توجهات الدولة اقتصاديا وقبول الأفراد لها.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي

أخبار ذات صلة

0 تعليق