الدعم الأمريكي لإسرائيل من يوقفه؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في عام 1974 وفي أعقاب حرب أكتوبر قدمت السينما المصرية واحدا من أبرز الأفلام في تاريخها وهو فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» المأخوذ من رواية بنفس الاسم للأديب والصحفي الشهير إحسان عبدالقدوس، وشارك معه في كتابة السيناريو والحوار اثنان من أكبر كتاب السينما هما رمسيس نجيب ورأفت الميهي، ولعب دور البطولة فيه نجوم الشاشة في تلك الفترة مثل محمود ياسين وحسين فهمي ونجوى إبراهيم وسعيد صالح ويوسف شعبان وعبدالمنعم إبراهيم وصلاح السعدني وآخرين، وأخرجه حسام الدين مصطفى. في هذا الفيلم شارك البطل في حرب 1967 التي هزمت فيها إسرائيل بمساعدة أمريكية الجيوش العربية، واحتلت شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان وغزة والضفة الغربية في 6 أيام. من مشاهد هذا الفيلم التي لا تزال عالقة بذهني مشهد قيام الطيران الأمريكي-الإسرائيلي بحصد الجنود المصريين في صحراء سيناء، والجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة وقتها لتزويد إسرائيل بالأسلحة الحديثة التي لم يكن بإمكان الجيش المصري بأسلحته السوفييتية القديمة أن يقاومها. بطل الفيلم رغم كل ما واجهه بعد عودته من الهزيمة، عاد ليشارك في حرب تحرير سيناء، والتي تكررت خلالها مشاهد الدعم الأمريكي اللامحدود للعدو الصهيوني، وهو ما دفع الرئيس المصري الراحل أنور السادات أن يطلق عبارته الشهيرة «لقد وجدت نفسي أحارب أمريكا وليس إسرائيل»، وذلك لتبرير موافقته على وقف إطلاق النار مع إسرائيل وفك الاشتباك وما تلاها من زيارة القدس وتوقيع معاهدة كامب ديفيد وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.عبارة السادات كانت صحيحة تماما، إذ أننا منذ زراعة هذا الجسم الخبيث في المنطقة العربية ونحن لا نحاربها وحدها وإنما نحارب قبلها ومعها الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى هذا الأساس يمكن سحب هذه العبارة على ما يجري الآن في الحرب على غزة التي جاوزت العام دون أي أفق لإنهائها، والتي تحارب فيها قوى المقاومة الولايات المتحدة بكل ترسانتها العسكرية المدججة بأحدث الأسلحة وأكثرها فتكا. العرب في غزة ولبنان والعواصم التي طالتها أيدي الصهيونية العالمية الملوثة بالدماء خلال هذا العام ليسوا ضحايا لإسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة، ولكن أيضا ضحايا للولايات المتحدة الأمريكية التي تشارك في المذابح الجماعية وحرب الإبادة التي يتعرضون لها.

الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال هو ما مكّنها من ارتكاب تلك الجرائم وهو ما يدفعها إلي تحدي العالم كله والاستمرار في القيام بدور «بلطجي» المنطقة الذي يريد إخضاع الجميع له بالقوة الغاشمة. وإذا كان هذا الدعم يعود إلى نشأة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين الذي قدّرته بعض المصادر بأكثر من مائتي مليار دولار منذ الحرب العالمية الثانية لتصبح أكثر دولة في العالم تتلقى مساعدات أمريكية، فإن الدعم المباشر وغير المباشر والمبالغ فيه أثناء الحرب الحالية على غزة هو ما يثير الدهشة خاصة أنه فاق كل التوقعات.

على مدار العام الماضي، ومنذ بدأت إسرائيل في الرد على «طوفان الأقصى» في الثامن من أكتوبر 2023 قدّمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات أمنية وأسلحة بمليارات الدولارات ولم تكتفِ بذلك، بل قامت بنشر الجيش الأمريكي لدعم الجيش الصهيوني وتعزيز قدراته على ارتكاب المذابح بحق المدنيين بشكل مباشر، وزادت بشكل كبير من حجم المساعدات العسكرية التي ترسلها إلى إسرائيل، ووافقت على المزيد من مبيعات الأسلحة والمعدات لها، وكثّفت عملياتها العسكرية في الشرق الأوسط، ونشرت حاملة الطائرات الأكثر تقدمًا لدى البحرية «يو إس إس جيرالد فورد» في شرق البحر المتوسط.

وفي أبريل الماضي شاركت الولايات المتحدة ودول غربية وعربية في عملية للدفاع عن إسرائيل بعد أن أطلقت إيران عليها أكثر من مائة صاروخ باليستي، بالإضافة إلى حوالي 30 صاروخ كروز وأكثر من 150 طائرة بدون طيار محملة بالمتفجرات، وعندما هاجمت إيران إسرائيل مرة أخرى هذا الشهر، أطلق الجيش الأمريكي صواريخ اعتراضية على الصواريخ الباليستية.

في تقديري أنه لا أحد يستطيع وقف المساعدات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والمخابراتية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل للحفاظ على تفوقها النوعي على كل محيطها العربي والشرق أوسطي وحمايتها من الإدانات الدولية. تريد أمريكا أن تصل الرسالة واضحة إلى العالم وهي أنها لن تتخلى عن إسرائيل حتى وإن عارضها العالم كله، وذلك لسبب رئيس وهو أنها -أي إسرائيل- تمثل مندوب الولايات المتحدة في المنطقة ويدها التي تبطش بها، ولذلك لو أخلت أمريكا الطريق بين إسرائيل وبين قوى المقاومة العربية، ولا أقول بينها وبين الجيوش العربية، فلن تستمر إسرائيل طويلا وقد تختفي من الوجود.

الأمر المؤكد أنه لا خلاص من هذه العلاقة الآثمة بين أمريكا بمختلف إداراتها وبين إسرائيل، إلا بموقف عربي موحد يربط العلاقة والمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة بموقفها من إسرائيل، ولكن من يستطيع أن يتخذ هذا الموقف والأمين العام لجامعة الدول العربية نفسه، بعد أن سكت طوال عام الحرب، يلقي باللوم على قوى المقاومة في غزة ولبنان. نعم، نظريا تستطيع الدول العربية، وأعني هنا الأنظمة العربية وليس الشعوب، إذا أرادت أن تجبر الولايات المتحدة على مراجعة دعمها غير المحدود للكيان الصهيوني، وذلك باستخدام ما يتوفر لها من ضغوط تتمثل في إمكانية استخدام سلاح النفط، كما حدث في 1973 وإلغاء اتفاقيات التطبيع مع العدو الإسرائيلي أو بالأقل تحجيم التعاون المشترك معه، والتهديد بمراجعة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.

إن يد الأنظمة العربية تبدو مغلولة تماما في هذا الملف، وأعني به ملف العلاقات مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل، وأنها لا تستطيع أن تقدم في مقابل الدعم الأمريكي السافر لإسرائيل رصاصة واحدة للمقاومة، وأن الجيوش العربية الكبيرة لا تستطيع أن تطلق صاروخا واحدا باتجاه إسرائيل، وتتحاشى تماما إغضابها ولو بالتصريحات والإدانات، ويأمل بعضها في أن ينجز جيش الاحتلال مهمته في تصفية وقتل أكبر عدد من الشعب الفلسطيني ومن المقاومين، وإنهاء كل صور المقاومة سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها.

لقد كانت الرسالة التي سعى صناع فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» إلى إيصالها للناس هو أن الهزيمة دائما ما تكون قرينة الفساد والجهل والديكتاتورية، وأن مفتاح الانتصار هو العزيمة والتخلص من الفسدة في جميع المجالات، والاستماع إلى أصوات الشعوب العربية التي تطالب بتدخل عربي واضح ومحدد ينهي الحرب على غزة ولبنان وعواصم المقاومة الأخرى، ويلزم العدو بالكف عن المذابح التي يرتكبها تحت أسماع وأنظار العالم كله. ولن يتحقق ذلك سوى بالضغط على «الصديق» الأمريكي لوقف أو بالأقل ترشيد دعمه للاحتلال الصهيوني، وتقديم الدعم المادي والمعنى للمقاومة، حتى لا يقول أحد منا بعد ذلك «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».

أ.د. حسني محمد نصر أكاديمي فـي قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس

أخبار ذات صلة

0 تعليق