إسرائيل وإيران.. التقدير الأخير - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الثلاثين من سبتمبر وجَّه رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابًا إلى من أطلق عليهم «شعب إيران النبيل». وفي ذلك الخطاب القصير وعد بأن إيران «سوف تتحرر بأسرع مما يظن كثير من الناس». فشاع تفسير هذه العبارة بوصفها إعلانا سابقًا لهجمة على إيران يناقشها القادة الإسرائيليون منذ أشهر عديدة بحماسة متجددة.

بدا أن اللحظة مواتية لإسرائيل: إذ اغتيل حسن نصر الله زعيم حزب الله في السابع والعشرين من سبتمبر في هجمة إسرائيلية على ضاحية في بيروت. فبدت الجماعة المقاتلة مهلهلة وقد قضي على قيادتها العليا كاملة. وفي غياب حزب الله بقوته وقربه من حدود إسرائيل الشمالية، باتت إيران أخيرا محرومة من رادع قوي للهجوم الإسرائيلي.

كما أن جهود الضغط قد بذلت بعيدا عن عدسات التلفزيون. ففي منشور على بعض مواقع التواصل الاجتماعي في التاسع والعشرين من سبتمبر، طرح جاريد كوشنر بمزيد من الصفاقة قضية تغيير النظام في إيران. وكوشنر متزوج بإيفانكا ترامب وقد استغل تلك الصفة ليكون الرجل الأول في الشرق الأوسط خلال ولاية إدارة ترامب الأولى. وهو لا يزال مقربا من نتنياهو ودائرة مستشاريه. وبعد إشارة إلى أنه قضى ساعات لا حصر لها في دراسة حزب الله -وكل من يتفاخر بمثل هذا قد يجد نفسه في قائمة الممنوعين من السفر- قال مبعوث ترامب السابق: إن إيران فقدت رادعها: «فالسبب الذي كان يحول دون تدمير منشآتها النووية، على الرغم من ضعف الدفاعات الجوية، هو أن حزب الله كان مسدسًا محشوًا ومصوبًا إلى إسرائيل». ودعا إسرائيل إلى تفكيك النظام الإيراني، بدءا بمنشآته النووية، وانتهى إلى مثل الإشارة التي وجهها نتنياهو وبينيت إلى الشعب الأمريكي: «مثل هذه اللحظات لا تأتي كثيرا، إن أتت أصلًا. والشرق الأوسط كثيرا ما يكون عصيًا وصلبًا لا يسهر تغييره. لكنه اليوم سائل والقدرة على إعادة صوغه غير محدودة. فلا تهدروا هذه الفرصة».

يشير الدبلوماسيون الأوروبيون الذين ناقشت معهم الأحداث الأخيرة إلى أن إيران ربما تكون قد فسّرت تكرار الإشارة إلى تغيير النظام سواء من مسؤولين إسرائيليين أو ممن يتكلمون باسمهم باعتباره مؤشرا على أنه قد تمت الموافقة بالفعل على هجمة إسرائيلية. ولعل ذلك أسهم في دفع علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، إلى السماح بالضربات الصاروخية لإسرائيل في الأول من أكتوبر. ويبدو حتميا الآن أن يصدر رد فعل عن إسرائيل، وعند هذه النقطة يصبح الإقدام على مزيد من التوقعات أمرا أشد صعوبة.

ثمة سببان جعلا إسرائيل تحول انتباهها إلى إيران. الأول هو أن إسرائيل بجعلها إيران خصمها الوحيد سوف تستطيع أن تخفي القضية الفلسطينية. إذ يتسنى طرح جماعة حماس لا بوصفها نتاجًا ملتويًا لعقدين من قهر الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وإنما بوصفها وكيلا لإيران. وعلى هذا النحو يكون الشعب الفلسطيني اختراعا إيرانيا.

وواقع الأمر بطبيعة الحال أن إيران لم تخترع الفلسطينيين. إنما استغلت القضية الفلسطينية لمصالحها الجيوسياسية الخاصة، لكن المؤكد أن أذكى طريقة تواجه بها إسرائيل القوة الإيرانية هي التوصل إلى تسوية تعترف بحقوق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولتهم. ولقد دافع كل من رئيس جهاز شين بيت الأمني الإسرائيلي السابق عامي عايلون ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك عن هذا الخيار لهذا السبب في حوارات مع صحيفة نيوستيتسمان في وقت سابق من العام الحالي. لكنّ هذين السياسيين هرمان باتا الآن بعيدين عن السلطة.

ثانيا: تعد المواجهة المباشرة مع إيران بشيء لا يمكن لصراعات أصغر منه أن تحققه، وذلك هو «تنظيف فوضى الشرق الأوسط تماما ونهائيا». وإنني أستعير هذا السطر من كتاب عاموس عوز «منحدرات لبنان» المنشور قبل قرابة أربعين سنة. يتناول الكتاب حرب لبنان سنة 1982 لكنه يمكن تمامًا أن يكون عن الحرب الموشكة مع إيران. وفي الكتاب يصف الكاتب الحائز على نوبل في الأدب حربا مخادعة أهدافها الحقيقية مخفية عن الشعب الإسرائيلي. فآنذاك، كانت محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن هي الذريعة لحرب هدفها إيجاد شرق أوسط جديد. بدأت تلك الحملة الحربية بداية نصر لكنها سرعان ما أوقعت إسرائيل في موجات الدمار التي أغرقت بها لبنان. يكتب عاموس أوز أن «المعايير» التي ألزمت إسرائيل نفسها بها تغيرت في ذلك العام. وما تم تروجيه بوصفه حربًا لاقتلاع جذور الإرهاب تحول إلى خطة لخلق عالم لا تواجه فيه إسرائيل «تماما ونهائيا» أي نوع من المعارضة. والإغراء نفسه قائم اليوم.

عندنا يقول لك «المحافظون السائلون» [من السيولة]، سواء أكانوا كوشنر أم نتنياهو، إن قدرتنا على إعادة صياغة العالم محدودة، تذكر أننا نعيش في عالم تعاد صياغته، ويسهل وقوعه في دوامة. ولو أن شيئا قد تغير في الأسابيع الأخيرة، فهو الإحساس بأن مأساة غزة لم تعد مقصورة داخل أسوارها. لأن موجة جديدة من اللاجئين تتكون في لبنان وسوريا وإيران وقد تكون عما قريب في طريقها إلى أوروبا. وأسعار النفط ارتفعت بالفعل وفي حال مضي إسرائيل قُدما في ضربات قوية لبنية النفط الأساسية في إيران، فسوف تفعل ذلك بمزيد من السرعة بما قد يكون من شأنه أن يحدد نتيجة انتخابات نوفمبر في الولايات المتحدة.

على مدار الأيام القليلة الماضية، أوردت وسائل إعلام وقنوات تلجرام إيرانية عديدة أن طهران حذرت واشنطن من أنه في حال استهداف إسرائيل مصافيها النفطية، فإن النظام سوف يضرم النار في مصافي وحقول النفط في كامل المنطقة، بما فيها المملكة العربية السعودية وأذربيجان والكويت والإمارات والبحرين. وحتى في حال عدم وقوع هذا السيناريو الكابوسي، فإن نشوب حرب سوف يجعل مرور حاويات النفط مستحيلا في مضيق هرمز الذي يفصل ما بين الخليج العربي وبحر عًمان. وقد يؤدي إغلاق كامل للمضيق إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى مائة وخمسين دولارًا أو أكثر بما يتسبب في إطلاق شرارة دوامة تضخم ويصيب الاقتصاد الأوروبي بركود عميق، فالشرق الأوسط اليوم على حد قول كوشنر سائل. وقد يكون رجل الشرق الأوسط الأول مصيبا فيما يقول.

برونو ماكاسيس مراسل الشؤون الخارجية في نيو ستيتسمان ووزير أوروبا البرتغالي من عام 2013 إلى عام 2015. ومؤلف كتاب «الجغرافيا السياسية لنهاية العالم: من الوباء إلى أزمة المناخ»

عن نيوستيتسمان

أخبار ذات صلة

0 تعليق