الساعة الخامسة والعشرون للمجتمع التقني - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

تتبوأ الأعمال الأدبية المكتوبة بعمق وصدق مكانة عالية فـي قائمة المنجزات السردية العالمية ومن تلك الأعمال رواية الساعة الخامسة والعشرون للكاتب والروائي الروماني (قسطنطين فـيرجيل جورجيو (1916-1992) الذي ذاع صيته بعد نشره روايته المذكورة عام 1949، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأربع سنوات، وقد انعكست المأساة الكارثية وأهوال الحرب وفظائعها وفضائحها فـي الرواية التي كان كاتبها أحد ضحايا الاقتتال الأوروبي. تبدأ الرواية بتصاعد الأحداث دراماتيكية بدءا بضرب يوروغو يوردان لزوجته وموتها، بسبب هروب ابنته سوزانا مع حبيبها يوهان موريتز الذي سيجد نفسه يُساق إلى معسكرات السخرة مع اليهود، لأن العسكري فـي قرية فانتانا أعجبته سوزانا وأراد إبعاد الزوج والاستحواذ على الزوجة. ثم تتأزم الأوضاع بعد نشوب الحرب العالمية الثانية واصطفاف بعض الدول الفقيرة مع القوى العظمى. فـيجد يوهان نفسه فـي الشاحنة مع مئات السجناء الرومانيين الذين باعتهم هنجاريا إلى ألمانيا. وتبدأ رحلة أخرى بين السجون والمعتقلات تديرها الدول المنتصرة وتتلاعب بمصائر المهزومين.

لن نتوغل فـي تفاصيل الرواية وحبكة أحداثها الآسرة، ومصائر أبطالها، بل سنتبع حدس أحد أبطال الرواية ترايان كوروغا الذي يتنبأ بالمجتمع التقني «لا تنس أنني شاعر، وأملك حدسا يسمح بالتنبؤ بالمستقبل، لا يملكون الآخرون مثله، أنا آسف إذ أتنبأ بأشياء مفجعة كهذه، لكن مهمتي كشاعر، ترغمني على ذلك، ينبغي أن أصرخ وأن أحمّل الأصداء قولي، حتى لو كان قولا ممجوجا».

تقوم الرواية على أسلوب عُرف فـي النقد الروائي (بالميتاسردي) حيث يقوم السرد على سرد آخر فـي الرواية مثلما يصف البطل ترايان تفاصيل روايته، لوالده القس وصديقه النائب العام، يقول كوروغا «العبد التقني هو الخادم الذي يقدِّم لنا كل يوم آلاف الخدمات التي لا يمكن الاستغناء عنها. هو يدفع سيارتنا، يعطينا الكهرباء، يصب لنا الماء كي نغتسل، يقوم بتدليكنا، يحكي لنا قصصا كي نستمتع عندما نُدير زر المذياع، يرسم طرقا، يحرك جبالا، العبد التقني يبدو أقل يبدو أكثر تنظيما من العبد البشري».

لا يتوقف الكاتب عند ذلك بل يفصح أكثر عن المجتمع الذي يتخيله ويصور نهايته، «سيجد المرء نفسه مسلسلا فـي المجتمع التقني خلال سنوات عديدة. لكنه لن يقضي فـي الأغلال. المجتمع التقني يمكنه أن يخلق الراحة. لكنه لا يمكن أن يخلق الروح. ومن دون الروح لا توجد عبقرية. مجتمع يفتقد إلى رجال نوابغ معرّض للزوال. المجتمع التقني الذي يأخذ مكان المجتمع الغربي والذي سيغزو كل سطح الكرة الأرضية، سيموت هو أيضا، انهيار المجتمع التقني هذا ستتبعه نهضة القيم الإنسانية الروحية. ذلك الضوء الكبير سيأتي بلا شك من الشرق. من آسيا».

فـي المجتمع التقني والمقصود به المجتمع الغربي على وجه التحديد، انهارت القيم الإنسانية والروحية لدى القوى السياسية فقد تخلت الأحزاب الحاكمة فـي العديد من الدول الغربية عن رفع الظلم والضيم عن الشعب الفلسطيني. المجتمع التقني ذاته كان مسؤولا عن خلق المأساة فـي فلسطين حينما منح الصهاينة الأراضي الفلسطينية وارتكاب المجازر بتواطؤ الغرب منذ قرار التقسيم وإلى الآن، وما حدث فـي غزة ما هو إلا فصل من فصول الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني المهدد بالتهجير من أراضيه.

ترى ماذا سيكتب قسطنطين فـيرجيل جورجيو لو عاش معنا هذا اللحظات التي طغت عليها التقنية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة البشرية، وماذا سيقول البطل ترايان كوروغا عن الذكاء الاصطناعي الذي بات يهدد الإنسان بالقضاء على بعض المهن والوظائف البشرية. قال ترايان لزوجته إليونورا التي تشاركه السجن «كل انتصارات الإنسان منذ أن ظهر على سطح الكرة الأرضية إلى اليوم هي انتصارات العقل». ها هو العقل البشري يخلق ذكاء خارقا يستطيع التفوق على الذكاء البشري فـي العديد من المجالات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق