لعنة حرب نتنياهو - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في السابع والعشرين من سبتمبر، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة يحكي نبوءة عمرها آلاف السنين إذ قال: «إن موسى [عليه السلام] قد قال لنا [نحن بني إسرائيل] إن أفعالنا هي التي ستحدد ما إذا كنا سوف نورث لأجيال المستقبل النعمة أم النقمة». وتبدو هذه الكلمات القديمة اليوم صادقة إلى حد مخيف. فبعد تدمير الأجهزة العسكرية والمخابراتية لحماس وحزب الله وتشتيت قيادتيهما، وبالقرب من توجيه ضربة أخرى لإيران، وصل نتنياهو إلى لحظة طالما حلم بها، وهي اللحظة التي تسنح فيها فرصة يتصور أنها قادرة على تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط. لكن تراه بدلا من ذلك سيدفع بالمنطقة إلى هاوية؟

بعد عام من تبادل للهجمات بدأ بإطلاق حزب الله الصواريخ على إسرائيل في الثامن من أكتوبر سنة 2023، ومع نزوح أكثر من ستين ألف إسرائيلي من منازلهم في الشمال، صرف بنيامين نتنياهو انتباهه إلى لبنان. ومن خلال اغتيال حسن نصر الله وقادة كبار آخرين في حزب الله إلى جانب استمرار الهجوم البري، وضعت إسرائيل حزب الله في موقف تكتيكي سيئ لا سبيل فيما يبدو إلى إصلاحه. غير أن التكلفة على لبنان كانت باهظة إلى حد مأساوي، وذلك بسبب تشريد أكثر من ربع السكان حتى الآن فضلا عن مصرع أكثر من ألفي لبناني. وقد قال منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان، عمران رضا: المرافق الصحية والمساجد والأسواق التاريخية والمجمعات السكنية بل والمباني الحكومية الآن قد «تحولت إلى أنقاض»، وأكد أنه لا ينبغي استهداف المدنيين والبنية الأساسية المدنية. غير أن هذا القصف العقابي للمدن اللبنانية لم يقلب اللبنانيين على حزب الله كما تمنى بنيامين نتنياهو، بل يبدو أنه عزز اتحادهم على معارضة العدوان الإسرائيلي.

في غزة، يستمر الوضع في الشمال في التدهور بسرعة. حيث يواجه السكان هناك مرة أخرى خطر المجاعة بعد تصاعد العنف من جراء ملاحقة إسرائيل لمقاتلي حماس. وفي غمار غضب واسع النطاق بشأن الشاب الفلسطيني شعبان الدلو البالغ من العمر تسعة عشر عاما الذي احترق حيا في ساحة مستشفى في دير البلح بعد أن أشعلت غارة إسرائيلية النار في خيمة. أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رسالة إلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، بقائمة طويلة من الطلبات لتحسين الوضع الإنساني في غزة، والسماح بمزيد من المساعدات الدولية وتخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين. وبموجب هذه الرسالة، التي تمثل لائحة اتهام للهجوم الإسرائيلي الذي دام عاما على قطاع غزة، فإن أمام إسرائيل ثلاثين يوما للامتثال للطلبات أو المخاطرة بتعريض المساعدة الأمريكية للخطر. لكن الملاحظ أن هذا الموعد النهائي يقع بعد الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر، ما يثير تساؤلات حول كونها محاولة للتأثير على الناخبين العرب والمسلمين والمناهضين للحرب أكثر من كونها ضغطا حقيقيا على بنيامين نتنياهو.

اليوم، تستعد إسرائيل مرة أخرى للرد على أحدث هجوم إيراني ضدها. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية مداولات مكثفة داخل المؤسسات السياسية والعسكرية الإسرائيلية بشأن نوع ومستوى الرد اللازم ليس فقط لمعالجة التهديد الحالي من جانب إيران ولكن أيضا لضمان ردع الجمهورية الإسلامية عن شن هجمات مستقبلية على إسرائيل. وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت هذه اللحظة بأنها «مجال فرصة المرة الواحدة»، ودعا علنًا إلى توجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية وزعم أن ضعف حماس وحزب الله يجعل إسرائيل قادرة على التحرك ضد إيران دون خوف من رد فعل «رهيب ولا يطاق».

ثمة أصوات بارزة خارج إسرائيل تردَّد فيها صدى لتقدير بينيت. ففي الولايات المتحدة، قال السيناتور الجمهوري المتشدد ليندسي جراهام: الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل يستحق «ردًا ساحقًا»، داعيًا إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى التنسيق مع إسرائيل للهجوم على مصافي النفط الإيرانية. غير أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تظل متوخية الحذر، خوفًا من اندلاع حرب إقليمية شاملة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير قبل أسابيع قليلة من انتخابات أمريكية ذات أهمية تاريخية. وهكذا حث فريق الرئيس الأمريكي جو بايدن، من جانبه، بنيامين نتنياهو على تجنب الأهداف النووية ومصافي النفط. ويبدو أن بنيامين نتنياهو أصغى لهم، حيث أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن إسرائيل لن تضرب أيا من هذه الأهداف ولكنها سوف تقصر ردها على الأهداف العسكرية داخل إيران.

قد تتقبل إيران الهجوم على الأهداف العسكرية باعتباره ضربة مضادة مقبولة ومحدودة، بما يوفر الارتياح للشعوب في جميع أنحاء المنطقة التي ظلت على حافة الهاوية لأكثر من عام الآن. وفي محاولة واضحة لتجنب التصعيد، صرح يوآف جالانت أنه على الرغم من أن رد إسرائيل سيكون «دقيقا ومؤلما ومفاجئا»، إلا أنه قال أيضا: إسرائيل «غير مهتمة بفتح جبهات أو صراعات إضافية». وجاء إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الأخير بنشر نظام بطارية (ثاد) المضاد للصواريخ الباليستية في إسرائيل إلى جانب مائة من أفراد الجيش الأمريكي، والذي قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إنه يؤكد التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن إسرائيل، ليسهم بلا شك وبشكل كبير في تليين مواقف بنيامين نتنياهو وجالانت تجاه إيران.

وفي حين أنه يمكن أن تغير إسرائيل مسارها في اللحظة الأخيرة وتقرر ضرب أهداف إيرانية أكثر حساسية، يبدو في الوقت الحالي أن الحرب الشاملة التي يخشاها الكثيرون قد تُجتنب. غير أن هذا لا يعني أن إسرائيل أقرب إلى تحقيق أهدافها الأمنية بعيدة المدى ولا يعني أنه بات من الآمن لسكان الشمال العودة إلى ديارهم. فمحاولة تدمير حزب الله وحماس عسكريا، وبالتالي إضعاف إيران أو ردعها، قد جاءت بثمن باهظ للغاية على المدنيين في المنطقة، وباتت العداوة لإسرائيل في أعلى مستوياتها على الإطلاق.

والآن بعد إضعاف خصومه عسكريا وقطع رؤوس الهياكل القيادية لحماس وحزب الله، يجب على بنيامين نتنياهو الآن أن يسارع بالتحول إلى مخرج دبلوماسي يجعل جميع الأطراف تضع أسلحتها وتتحرك نحو وقف لإطلاق النار. أما إذا استمر نتنياهو في تفضيل القوة المدمرة على الدبلوماسية، فسوف يتذكره التاريخ باعتباره الرجل الذي أورث اللعنة للأجيال القادمة، على حد تعبير موسى [عليه السلام].

ياسمين الجمل محللة مستقلة ومستشارة سابقة في البنتاجون

عن موقع نيوستيتسمان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق