الحرب الشاملة .. حسابات الربح والخسارة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يترقب العالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص الهجوم العسكري التي يستعد الكيان الصهيوني شنه على إيران خلال الأيام القادمة، وقبل بدء الانتخابات الأمريكية والتي سوف تدشن فـي السابع من نوفمبر القادم. الكيان الصهيوني فـي حالة اشتباك وحرب استنزاف مع عدد من جبهات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، وتلك الحرب وهي تدخل عامها الثاني لم يستطع الكيان الصهيوني تحقيق أي هدف من أهداف الحرب العدوانية التي شنها على قطاع غزة وعموم فلسطين فـي الثامن من أكتوبر الماضي، أي بعد يوم واحد من الهجوم العسكري الأكبر فـي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تجرعت خلاله إسرائيل أكبر هزيمة استراتيجية وعسكرية منذ قيامها المزيف عام ١٩٤٨ من خلال المؤامرة الاستعمارية البريطانية.

الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران سوف يحدث، ولكن السؤال الأهم هل يقوم الكيان الصهيوني بضرب أهداف حيوية فـي إيران كالمفاعل النووي أو مصافـي النفط أو مقرات سيادية حساسة أو يكتفـي باستهداف عدد من القواعد العسكرية الإيرانية، وإجابة هذا السؤال سوف تعتمد على الحليف الأمريكي الذي يستعد للانتخابات الحاسمة خاصة إدارة بايدن الحالية ومرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس. كما أن الهجوم العسكري الإسرائيلي سوف يعتمد على فكر المتشددين فـي حكومة نتنياهو المتطرفة، خاصة وأنهم يدركون أن بنك الأهداف الاستراتيجية فـي الكيان الصهيوني تم رصده من قبل الجانب الإيراني.

وفـي تصوري أن الكيان الصهيوني لن يكون قادرا على الاقتراب من الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية الإيرانية الحساسة، ولكن قد يستهدف قواعد الحرس الثوري مثلا أو قواعد عسكرية محددة وهذا الحدس الصحفـي وليس المعلوماتي ينطلق من عدد من العوامل الموضوعية لعل فـي مقدمتها أن اندلاع الحرب الشاملة بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية الإيرانية سوف يدفع بأمريكا إلى التدخل العسكري لمساندة الحليف الإسرائيلي وهنا تختلط وتتشابك الأوراق خاصة وأن الجانب الإيراني قد حذر عددا من دول المنطقة من مغبة استخدام القواعد العسكرية الأمريكية التي تقع فـي أراضيها ضد إيران، وكانت الرسالة واضحة وهناك التزام من تلك الدول بعدم السماح باستخدام أراضيها لشن أي هجوم عسكري أمريكي ضد إيران، كما أكد ذلك وزير الخارجية الإيراني خلال مؤتمر صحفـي له أمس فـي دولة الكويت خلال جولة لدول المنطقة.

من العوامل الموضوعية التي ترجح عدم قيام الكيان الصهيوني باستهداف المواقع الحيوية الإيرانية هو موضوع الانتخابات الأمريكية وحساسية التوقيت حيث إن اندلاع الحرب الشاملة بين الكيان الإسرائيلي وإيران سوف يجعل سعر النفط يقفز إلى مستويات قياسية، وهذا سوف يكون له تأثير سلبي كبير على الناخب الأمريكي وضد الإدارة الأمريكية الحالية وبالتالي ينعكس سلبا على مرشحة الحزب الديموقراطي. علاوة على ذلك فإن الكيان الصهيوني لا يمتلك المجال الحيوي، كما هو الحال بالنسبة لإيران حيث إن مساحة الكيان الصهيوني على الصعيد الجغرافـي محدودة ولديه مواقع حيوية فـي مدن أساسية هي حيفا حيث مصافـي الغاز والميناء التجاري وهناك أهم مدن الكيان المحتل الإسرائيلي وهي تل أبيب التي تعد المركز التجاري ووجود المطار وعدد من المواقع الحساسة كموقع الموساد والأجهزة العسكرية والأمنية، ومن هنا فإن الجغرافـيا تعد صغيرة وفـي حال نشوب الحرب الشاملة والتي سوف تكون شرسة وطويلة فإن الكيان الصهيوني سوف يستنزف كما هو الحال وحتى الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون قادرة على مواجهة لا تعرف مدى نهايتها ولها تجارب فاشلة وكارثية فـي أفغانستان والعراق. وعلى ضوء ذلك فإن محددات الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران فـي تصوري سوف تحكمه تلك العوامل، ومع ذلك لا يمكن استبعاد التهور الصهيوني، خاصة وأن محاولة اغتيال نتنياهو فـي منزله من قبل المقاومة اللبنانية بمسيرة قد جعل إسرائيل تشعر بالضعف والإذلال حيث فشلت كل أنظمة الدفاع الجوي فـي منع المسيرة من إصابة الهدف من خلال انفجار كبير. ومن هنا فإن المشهد السياسي فـي المنطقة على قدر كبير من الخطورة فـي ظل اشتعال حرب استنزاف مكلفة ضد الكيان الصهيوني من قبل ساحات المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية.

إن دخول حرب الاستنزاف عامها الثاني خاصة فـي قطاع غزة والتكلفة العسكرية والاقتصادية والأمنية والكراهية التي اجتاحت شعوب العالم ضد الكيان الصهيوني المتطرف تعد كارثية على نتنياهو وحكومته المتطرفة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية رغم قوتها العسكرية والمساعدات الكبيرة لإسرائيل لم تستطع زحزحة المقاومة، رغم فقدها رمزها النضالي الشهيد يحيى السنوار، والذي دخل تاريخ المقاومة الفلسطينية والعالمية ضد المحتل الإسرائيلي الغاصب، بل إن نموذج الشهيد السنوار سوف يتكرر من قبل أطفال اليوم فـي قطاع غزة، كما كان الشهيد السنوار طفلا خلال زعامة الشيخ أحمد ياسين لحركة حماس فـي عقد الثمانينات من القرن الماضي. ومن هنا سجلت المقاومة الفلسطينية على مدى أكثر من سبعة عقود صفحات من التضحية والكفاح ضد الكيان الصهيوني، والذي يعد استعمارا بشعا ليس له علاقة بالإنسانية أو المثل الأخلاقية.

إيران ومن خلال خبرتها العسكرية الطويلة تدرك عدوانية وغطرسة الكيان الصهيوني، وفـي تصوري أن الكيان الإسرائيلي يحتاج إلى ردع استراتيجي كما حدث له فـي السابع من أكتوبر لأن المخطط الصهيوني كما جاء فـي تصريحات بعض مسؤوليه المتطرفـين بأنهم ينظرون إلى النفوذ خارج الكيان الصهيوني وإلى السيطرة على عدد من الدول العربية، وهذا مخطط معروف لا يمكن الاستهانة به، حيث إن خريطة المنطقة موجودة فـي قاعة الكنيست كما هو الخط الأزرق والأبيض على علم الكيان الصهيوني والذي يرمز إلى نهري الفرات والنيل، كما أن ذلك مدون فـي كتبهم وسردياتهم المزيفة.

إن المنطقة على صفـيح ساخن بسبب سلوك الكيان الصهيوني الأرعن وهو الذي جعل المنطقة بكل مقدراتها فـي حالة توتر منذ قيام الصهيونية العالمية والاستعمار الغربي بزرعه فـي قلب العالم العربي فـي إطار مخطط خبيث تحدث عنه الكاتب اليهودي برنارد لويس فـي أحد كتبه عن الطموح الصهيوني فـي العالم العربي.

إن الجميع يدرك خطورة الوضع فـي المنطقة والتي قد تدخل فـي مناخ كارثي من الصراعات والحروب وسوف يكون الضرر كبيرا، وعلى ضوء ذلك فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا بد أن تستثمر علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية لوقف التهور والغطرسة الإسرائيلية ليس فقط لصالح إيران ولكن لصالح الأمن والاستقرار لمقدرات المنطقة وسلامة شعوبها، لأن اندلاع الحرب الإقليمية الشاملة سوف تكون لها تداعيات كارثية كبيرة حتى على صعيد التلوث الإشعاعي إذا تم استهداف المفاعلات النووية الإيرانية وأيضا مفاعل ديمونة فـي صحراء النقب فـي الكيان الصهيوني علاوة على التكلفة الاقتصادية والأمنية ودخول منطقة الخليج العربي فـي مناخ من الفوضى وعدم الاستقرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق