لماذا لم تضرب إسرائيل إيران حيث توجعها حقا؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من المعهود فـي البلاد المسيحية أن تؤجَّل الأمور إلى «ما بعد الكريسماس» وبداية السنة الجديدة. أما فـي إسرائيل فالمعادل لهذا هو «ما بعد الأعياد»، وتبدأ أعياد الخريف اليهودية مع رأس السنة اليهودية، يليه يوم الغفران ثم عيد السوكوت أو المظلات الذي يستمر لثمانية أيام.

فـي هذا العام، لاذ الإسرائيليون بملاجئهم فـي الأول من أكتوبر، أي اليوم السابق على رأس السنة اليهودية، حيث انهمر على البلد مائة وثمانون صاروخا بالستيا إيرانيا. وقد تعرضت تلك الضربة التي طال التهديد بها وتم تنفـيذها للثأر فـيما يفترض من قتل إسماعيل هنية زعيم حماس فـي طهران وقتل حسن نصر الله زعيم حزب الله فـي بيروت لمقاومة أساسها الدرع الدفاعي الصاروخي الإسرائيلية (آرو) وبمساعدة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا فـي اعتراض تلك الصواريخ وإحباط الضربة. ولكن عشرات الصواريخ وصلت إلى أهدافها فدمرت قواعد جوية ومدرسة فـي إسرائيل.

فلم يكن من بديل عن رد عسكري إسرائيلي. وكانت إسرائيل بعد ضربة مماثلة فـي أبريل قد قصرت ردها على ضربة رمزية للدفاعات الجوية الإيرانية دمرت نظام إس 300 الباهظ لكنها لم تتسبب فـي أضرار أوسع. وكان الأمر مختلفا هذه المرة.

وكان السؤالان الكبيران هما «ماذا» و«متى». توقع كثيرون فـي إسرائيل إرجاء الهجمة المضادة إلى ما بعد فترة الأعياد. وذلك ما كان. ففـي الإجازة الأسبوعية الأخيرة ضربت الطائرات الإسرائيلية أهدافا داخل إيران.

غير أن الأهم من ذلك كان الجدال حول (ماذا)، أي ما يجب ضربه. ذهبت التكهنات الأولية إلى أن إسرائيل قد تستهدف إنتاج النفط الإيراني، وكان من شأن ذلك أن يلحق ضررا حقيقيا بمصدر الدخل الرئيسي للنظام، لكن إيران بدورها هددت بضرب أهداف نفطية فـي الدول العربية المجاورة، بما قد يؤدي إلى أزمة عالمية بسبب ارتفاع تكاليف الوقود قبل الشتاء. وحثت إدارة بايدن والعالم الغربي بأكمله على اجتناب هذه الخطوة.

والخيار الثاني الذي نوقش كثيرا هو ضرب البرنامج النووي الإيراني. وقد كان التقدم النووي المدني والعسكري الإيراني على رأس قائمة التهديدات التي تواجهها إسرائيل منذ عقود من الزمان. وكان بنيامين نتنياهو، حتى قبل رجوعه إلى السلطة فـي 2009، من أشد أنصار فرض العقوبات المعيقة والعمل العسكري لمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية. وأخيرا، قد تكون هذه فرصة إسرائيل لعرقلة طموحات إيران النووية لسنوات عديدة.

راج هذا الخيار لدى اليمين المتطرف فـي إسرائيل الذي يؤمن حقا أن حربا حضارية قد تبشر بنهاية العالم وإعادة بناء الهيكل فـي القدس. ولكنه كان أيضا الخيار المفضل لدى العديد من اليمينيين المعتدلين ممن يعتقدون أن الحرب بين النظام الإيراني وإسرائيل أمر لا مفر منه، وأن الانتظار لمدة عشرين عاما أخرى حتى يحصل هذا النظام على صواريخ نووية هو أمر أحمق وقصير النظر، وأن من الأفضل اتخاذ إجراء الآن.

عارضت القوى الغربية هذا الخيار أيضا. ورغم أنه قد يكون مبررا، فإنه ينطوي على تصعيد الموقف، ويزيد من حدة التوتر على نحو قد يجبر إيران على الرد بما قد يؤدي إلى حرب مستمرة.

فلم يبق من خيار غير الأهداف العسكرية وما أكثرها فـي إيران. وهذا هو الخيار الذي اختارته إسرائيل فـي نهاية المطاف هذا الأسبوع، فضربت مواقع فـي مختلف أنحاء البلد. ولزمت إيران الصمت فـيما يتعلق بالأهداف، زاعمة أن أربعة من أفراد الجيش قد لقوا مصرعهم، لكن سكان طهران شاهدوا وسمعوا الانفجارات فـي ضواحي المدينة.

بحلول صباح يوم الأحد، أظهرت صور الأقمار الصناعية مباني مدمرة فـي قواعد عسكرية بالقرب من طهران وفـي بارشين، وبدأت المصادر الإسرائيلية فـي الإعلام بما ضربوه: خلاطات كوكبية. هذه الآلات عالية الدقة هي أبناء عمومة متحولة لخلاط المطبخ، وتستخدم لصنع الوقود الصلب المستخدم فـي الصواريخ الباليستية. ووفقا للصحفـي الإسرائيلي باراك رافـيد، استهدفت إسرائيل كل خلاط وقود صاروخي فـي إيران، وربما اثنين فـي سوريا أيضا. ومن شأن تدميرها أن ينهي إنتاج الصواريخ الإيرانية لشهور أو سنوات.

هذا خبر سيئ لإيران وخبر جيد لإسرائيل. ولكنه أيضا من سوء الحظ للحوثيين فـي اليمن، الذين يعتمدون على أسلحة إيران، ولروسيا التي كانت تسعى لشراء صواريخ باليستية إيرانية لاستخدامها ضد أوكرانيا.

كما تم تدمير اثنين من أنظمة دفاع إس-300 الجوي «المتقدمة»، التي لم تحقق لإيران نفعا كبيرا فـي المقام الأول، إذ لم يتم إسقاط أي طائرة إسرائيلية فـي الهجوم.

يبدو أن إيران اليوم فـي مأزق. لا يوجد تهديد فوري من النظام بالانتقام، فما هي غير لغة عدوانية ولكنها مبهمة. وفـي الوقت نفسه، انتقدت أجزاء من اليمين الإسرائيلي الضربات باعتبارها غير شديدة بما فـيه الكفاية، وألقت باللوم فـي الغالب على جو بايدن لتقييده نتنياهو.

لكن نتنياهو كان رئيسا للوزراء لمعظم السنوات الخمس عشرة الماضية. ولو أنه أراد حقا قصف المواقع النووية الإيرانية بالطائرات الحربية، لكان قد فعل ذلك الآن. ولكن موهبة نتنياهو، على مدار حياته المهنية، تتلخص فـي أنه يعثر على من يمكنه إلقاء اللوم عليهم فـي تقييده: فقد يكونون شركاء ائتلاف يساريين أو قضاة إسرائيليين أو رؤساء للولايات المتحدة.

على مدى أغلب العام الماضي، لم ترغب إسرائيل أو حزب الله فـي حرب أوسع نطاقاً فـي لبنان. وعندما تغير هذا، وقرر القادة الإسرائيليون أن الوقت قد حان لمواجهة حزب الله، لم يكن الأمر خفـياً، بل استغرق أسبوعين من تفجير البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكية والاغتيالات الدرامية.

وفـي الوقت الحالي، لا تريد إسرائيل وإيران حرباً مفتوحة - حتى الآن. ولا يزال الجانبان يبحثان عن أسباب لخفض التصعيد. ولكن الضربات الإسرائيلية أثبتت أنه إذا اندلعت الحرب، فلن يكون بوسع النظام أن يفعل الكثير لمنع القوات الجوية الإسرائيلية من ضرب ما تريد وقت أن تريد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق