المزاج العام والرأي العام.. المفهوم والارتباط - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعتبر المزاج العام أحد المفاهيم الذي تربطه علاقة وثيقة بالعلوم الاجتماعية لفهمه وتكوّنه ودراسته ومناقشة جوانبه، وهو إحدى المعالجات الفاعلة لفهم الرأي العام ودراسة انعطافاته وأسباب تكوّنه؛ فالمزاج العام وفقا لما ورد في عدد من البحوث والدراسات هو «الشعور الذي ينشأ نتيجة وجود الفرد داخل جماعة، وليس كونه عنصرا مستقلا بذاته»، ولتبسيط المفهوم؛ فإن المزاج العام هو الحالة التي يكون عليها المجتمع بالمشاعر والعاطفة التي يبديها حتى وإن كانت الحالة غير ناتجة عن موضوع يناقش أو قضية رأي عام، وهو مهم جدا في تكوين اتجاهات الرأي العام تجاه ظاهرة أو حدث عابر؛ لذلك نستطيع القول إن المزاج العام هو مدخل مؤثر في تكوين الرأي العام. وبما أن المزاج العام هو الحالة التي يكون عليها المجتمع في تفاعله مع الأحداث والموضوعات والقضايا؛ فإن قياس الرأي العام يتطلب دراسة واقع المجتمع وتشخيصه، بحيث يتم رصد الآراء ووجهات النظر وردود الأفعال من مختلف المصادر حتى وإن كانت شبكات التواصل الاجتماعي هي المنصات الأكثر استسهالا للحصول على ردات الفعل ووجهات النظر تجاه موضوع معيّن، وهنا ينبغي على الباحث أن يتحرى جميع الأماكن التي يتوقع أن تحوي آراءً أو مدخلات تعين على دراسة الرأي العام، مع الوضع في الحسبان دراسة سلوك الأشخاص نفسيا واجتماعيا عند تقييم التفاعل المصاحب للموضوع محل النقاش؛ للتأكد من عدم تأثره بالحالة العاطفية والنفسية للمجتمع، لأنه وفقا لنظريات العلوم الاجتماعية كلما كان الشخص عاطفيا في إبداء رأيه ارتفعت نسبة مزاجيّته؛ حيث من الملاحظ أن الشخص العاطفي يبدي ردات فعل مباشرة مع أبسط مؤثر خارجي أو محيط به، لذلك هو متغيّر المزاج والعاطفة تارة حزين وتارة سعيد، مرة يضحك وفجأة يبكي، وهو ما يصعّب مهمة استنباط الآراء العقلانية التي تتسم بالاتزان والرصانة.

وهنا نطرح سؤالا، هل نحنُ مزاجيون في إبداء آرائنا تجاه موضوع معيّن؟ إلى حد ما نعم يغلب علينا المزاج العام في تحديد منطلقات تفاعلنا مع الأحداث، ونتأثر بآراء الآخرين وإن كانت في مضمونها صحيحة وتجسّد الواقع الذي نعيشه، حيث لم نقم بتحديد توجهاتنا الحقيقية من السياسات العامة ولا بما تحويه من تفاصيل دقيقة أو أهداف سامية من إقرارها وتفعيلها، ونلحظ ذلك في منظومة الحماية الاجتماعية التي فقدت مفهومها الاجتماعي وتوجّه التفاعل إلى سلبية المزاج العام السائد في المجتمع عن المنظومة؛ ولذلك المزاج العام السلبي عن المنظومة كان مدخلا في تكوين الرأي العام في شبكات التواصل الاجتماعي على أقل تقدير.

خلال الفترة الماضية، اطلعت على عدد من الدراسات والأبحاث التي ناقشت موضوع المزاج العام؛ حيث توصلت غالبيتها إلى أن توقعات الأشخاص تؤثر كثيرا على المزاج العام، إذا كانت التوقعات إيجابية، فإن المزاج العام إيجابي وإذا كانت سلبية، فالمزاج العام سيكون سلبيا، وهنا استحضر بعض التوقعات السلبية التي تبناها البعض قرب إصدار القوانين المرتبطة بالحياة الاجتماعية اليومية رغم أنها جاءت على عكس توقعاتهم والسبب يعود إلى نمط التفاعل السلبي مع القرارات الحكومية الذي ظل لفترة طويلة منهجا لأولئك الذين تعوّدوا على الاستنقاص من حجم الجهود المبذولة؛ لإعادة الأوضاع المالية والاقتصادية إلى نصابها الصحيح.

إن ما يدعو للنقاش هو دافع الاستنتاجات والفرضيات غير المستندة على دليل واضح ومثبت على إطلاق الحكم تجاه موضوع معيّن قبل دراسة كافة جوانبه وحيثياته، وهنا ينبغي أن نكون حذرين في تبني أي فكرة سلبية تمر علينا قبل مناقشتها باستضافة تامة، لا يمكن افتراض سوء النوايا؛ نتيجة أصوات تلقيناها من هنا وهناك أو تم بناؤها وفقا لتجارب الآخرين، ليس من الحكمة أن نطلق الأحكام بناءً على مفردات واهية مرتبطة بالجانب العاطفي والنفسي، علينا أن نحسن الظن في كل ما نقول وكل ما نفسّر، لنكن ذوي رأي سديد، ولنحسن الظن فهو من نضج العقل؛ لذلك من الجيد استخدام العلاج المعرفي السلوكي للتعامل مع المزاج العام السلبي، وهو بذل جهود أكبر في تحسين الصورة الذهنية عن بعض السياسات والقوانين والقرارات المتخذة عبر تحليل المحتوى المنشور لدى الجمهور من حيث تدفق البيانات ووضوحها وضمان صناعة الأثر المتوقع على الفئة المستهدفة، مع دراسة إمكانية تغيير الهُوية البصرية في حال ثبوت تكوّن صورة ذهنية سلبية للمتلقي عن الموضوع؛ فالمزاج العام السلبي مؤثر في تكوين اتجاهات الرأي العام ويساعد على نمط سلوكي في التفاعل سيتحول مستقبلا إلى ممارسة دائمة عند التفاعل مع الموضوعات التي لا تحظى بقبول المزاج العام للمجتمع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق