تحتفـي سلطنة عمان قيادة وشعبا هذا اليوم بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد، وإذ تمر احتفالات هذا العام بكثير مما نحب لهذا الوطن العزيز كانخفاض الدين العام وتحسن التصنيف السيادي لسلطنة عمان فـي زمن قياسي فإنه لا ينبغي نسيان التأكيد على تجليات نحبها للاحتفاء بالعيد الوطني. يقينا لن يكون احتفاؤنا بعمان يوما واحدا وحسب، وليس هو اليوم المحرك لاعتزازنا وفخرنا ببلاد يعرفها التاريخ نضالا، وتعرفه بلادنا صنعت منجزها الحضاري عبر قرون من التحديات التاريخية قبل التحقق المشهود الموثق فـي كتب الحاضر، لكنه يومٌ للتعبير المباشر عن احتفالاتنا بعمان كل زمان وفـي كل مكان، وحين نترقب الاحتفال كل عام بالتوقيت ذاته المنتظر لا ينبغي أن تكون احتفالاتنا بهذا الوطن محض شعارات لفظية أو عبارات رقمية نسطرها هنا وهناك دون استشعار مسؤوليتنا اليومية تجاه هذا الوطن وأهله، مسؤولية تتقلّص بتكرار عبارات تعكس الارتباطات العاطفـية والسكنى الجغرافـية وحسب، لكنها تتجاوز ذلك لتعظم وتسمو فـي تمثلنا عُمانَ مع كل ما يصدر عنا مما نحب لها؛ بلادا أكرمتنا فاستحقت منا كل إخلاص وحب، ونمر فـي هذه المقالة العاجلة على بعض هذه التمثلات السلوكية المنفصلة عن الشعارات النظرية وعبارات الحب مكتوبة كانت أو منطوقة.
احتفاء بعمان عبر تعزيز قدر وقيمة الوطن فـي عقول وقلوب الأطفال مذ بداية الوعي بالنطق ومدلولاته، أن يكبر الطفل فـينا مرتبطا بهذه الأرض مستشعرا فخره بانتمائه لبلاد جديرة منه ومن الجميع بالكثير من العطاء، أن نزرع فـيه وفـي غيره عبر مراحل نشأتهم غنى هذه الأرض بتنوعها العجيب المختلف، بداية بالتنوع الجغرافـي الذي أكسبها تنوعا ثقافـيا بأبعاد اجتماعية مدهشة، مرورا بالتنوع الثقافـي متضمنا اللهجات والأزياء والفنون، ولا ننسى أن نؤكد على فكرة اكتمالنا باختلافنا شعبا متنوع المشارب متعدد الرؤى واحد المحبة تكافلا وتكاملا، دون فوقية لقوم على آخرين ولا انتقاص لقوم أو تهميش، أنّى يكون ذلك وكلنا تجمعنا بلاد سخية على اختلافاتنا الرائعة التي صنعت هذا النسيج المتكامل الرائع المسمى «وطن» ؟!
احتفاء بعمان حين نعوّد أبناءنا وطلابنا على أن المواطنة والانتماء مفردتان أسمى من مجرد الكتابة دفاعا أو هجوما بغية إثبات حجة أو دحض اتهام، بل هما معا مسؤولية وطنية وأخرى اجتماعية حيث تأتي عمان وأهلها أولا فـي سعينا المخلص لأن نكون فـي الصدارة، ومبادراتنا المجتمعية الهادفة للتكافل والاتحاد، فـي توظيف مهاراتنا وكفاءاتنا وخبراتنا آملين ما لن نبلغ أبدا من محاولات لنوفـي عمان الأم حقها من المحبة والإخلاص.
احتفاء بعمان حين يستشعر الأغنياء -الذين وجدوا أبواب رزقهم وثراءهم فـي هذه الأرض ومع هؤلاء الأهل (سواء كانوا عمانيين أو مقيمين)- مسؤوليتهم تجاه الفئات المحتاجة مادين يد العون بألف شكل وألف سبيل للمشاركة فـي رفع مستوى المعيشة لكثير ممن حولهم من أبناء أرضهم التي أكرمتهم فأكرموها ولم يجحدوا حقها؛ ليشعر الفقير بالأمان ويشعر الغني بالرضا فـي المشاركة والسخاء.
احتفاء بعمان حين لا ينتظر الموظف (رئيسا كان أو مرؤوسا) رقيبا يبحث معه وخلفه عن مكامن القصور، ومواضع الإهمال، بل يستشعر وحده رقابة ذاتية تسعى بعمله إلى التجويد عاما بعد عام، وتسمو به مواطنا يتلمّس مواضع الثغرات فـي القانون أو فـي النظام الإداري لاقتراح أفضل السبل تطويرا وتنمية، لا استغلالا لمصلحة شخصية أو منفعة زائلة، أن يعمل الجميع بروح الفريق الذي يؤمن بأن المؤسسة أو محيط العمل هما قارب يحمل الجميع و يرعاه الجميع تآزرا وتكاملا، ولن يصل ذلك القارب بر أمان أبدا إن سادت الأنانية وتفشّى الجشع، وصار الذكاء والقدرات والمناصب معاول هدم لا أكُفَّ بناء.
احتفاء بعمان التي تُغَلَّبُ فـيها المحبة الحقيقية على ادعاء المحبة سعيا لظهور أو شهرة، ويسمو فـيها الخير على تصنع الخير رياء أو تزلفا، وإذ يتحقق ذلك فلا يمكن أن يأتي بعدها حديث عن انتهاك خصوصيات، أو استغلال حالات إنسانية، احتفاء بعمان التي يؤرقنا فـيها همّ قد يؤرق البعض فنستشعره جميعا ونسعى لتشكيل رأي جماهيري معزز بالوعي يمكنه الإسهام فـي حلحلته وتجاوزه إدراكا بأن الهم منتقل، وما نحسبه بعيدا هذا اليوم مدركنا بعد حين.
احتفاء بتقدير وتكريم أولئك البسطاء الذين لا يعرفون طريق المنصات ولا درب الأضواء، لا يجيدون صياغة العبارات وإلقاء الخطب، لكنهم مجبولون على الكدح الدائم، ماهرون تحملهم قناعتهم بأقل الممكن المتاح لصنع أجمل المستحيلات وأروع الأمثلة إنجازا مجرّدا من الأنا مكتملا بالآخرين، لا بد من سعي للتنقيب عنهم (وهم كثر) والاحتفاء بهم ومعهم فللضوء مع هؤلاء ألق مضاعف وخير عميم.
ختاما: كل عام وسلطنة عمان (بلادنا التي نحب) برخاء ومحبة وسلام تحت لواء قائدها المفدى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، وبشعبها المخلص المحب، ومع عشاقها - وهي الجديرة بالعشق - فـي كل زمان وكل مكان.
0 تعليق