التجارة العالمية .. مسار صعب للنمو في ظل تصاعد الإجراءات الحمائية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أحدث تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال الأسبوع الحالي بفرض رسوم جمركية مرتفعة على أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة الأمريكية، أصداء واسعة على عديد من المستويات، حيث أدى إلى تراجع في البورصات الآسيوية وبورصة أستراليا، كما أثار التكهنات حول مسار النمو في حركة التجارة العالمية خلال السنوات المقبلة في ظل تصاعد الإجراءات الحمائية التي تفرضها الدول وتحد من حرية التجارة الدولية.

وخلال فترة الرئاسة الأولى للرئيس دونالد ترامب كان ما أطلق عليه الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة نموذجا يبرز التحولات في مشهد التجارة الدولية، واندلع الخلاف التجاري بين البلدين بسبب التعريفات الجمركية على المعادن، ثم امتد ليشمل جوانب عديدة لحركة التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم. ورغم توصلهما إلى اتفاقية تجارية حول تجارة المعادن في عام 2020 ظل ما يقرب من ثلثي البضائع التي تبيعها الصين إلى الولايات المتحدة خاضعة لضرائب إضافية، وكذلك حوالي 58 بالمائة لصادرات الولايات المتحدة للصين، وفقا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، ولم تقتصر الإجراءات الحمائية التي تبنتها الولايات المتحدة على الصين بل امتدت إلى شركاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وقد حافظت الإدارة الأمريكية الحالية على نفس التوجهات اذ التزمت بفرض رسوم جمركية على واردات المعادن وسلع أخرى من عديد من الدول بما في ذلك الصين وشركاء أمريكا التجاريين في أوروبا.

ووفق التعهد الذي أطلقه ترامب هذا الأسبوع، قال الرئيس المنتخب إنه ينوي فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمائة على المنتجات القادمة من المكسيك وكندا وكذلك فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 بالمائة على البضائع القادمة من الصين، ما يعني أن الإدارة الجديدة ستتابع بشكل حثيث تطبيق الإجراءات الحمائية بقائمة ربما تكون أوسع للدول وللمنتجات الخاضعة للرسوم الجمركية.

يأتي ذلك في وقت بدأت حركة التجارة العالمية في التعافي من التبعات القاسية التي خلفها تفشي الجائحة في عام 2020، وتبعات الحرب في أوكرانيا، واستمرت هذه التبعات حتى العام الماضي، حيث أكد تقرير مراقبة التجارة العالمية الصادر عن البنك الدولي أن نمو حركة التجارة قد توقف في 2023، وحققت بصعوبة مكاسب بلغت 0.1 بالمائة زيادة عن العام السابق بدعم من معدلات نمو قوية في تجارة الخدمات.

وفيما يتعلق بالعام الجاري، أشارت توقعات منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة "أونكتاد" إلى أن حجم التجارة العالمية قد يرتفع إلى 32 تريليون دولار بنهاية العام الجاري مع استمرار التعافي من تبعات الجائحة، بفضل ارتفاع الصادرات من الولايات المتحدة والدول النامية والناشئة خاصة الاقتصادات الآسيوية الكبرى، مما أضاف لحجم التجارة العالمية ما يقرب من 250 مليار دولار من تجارة السلع و100 مليار دولار من تجارة الخدمات في النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالنصف الثاني من عام 2023. وتقود الصين والهند والولايات المتحدة نمو التجارة العالمية مع زيادة الصادرات من الصين بنسبة 9 بالمائة والهند بنسبة 7 بالمائة والولايات المتحدة بنسبة 3 بالمائة في حين تراجعت حركة التجارة في القارة الأفريقية ولم تسجل الصادرات من القارة الأوروبية نموا خلال النصف الأول من العام الجاري.

رغم هذه التوقعات المتفائلة خلال العام الجاري، يحيط قدر كبير من عدم اليقين تجاه نمو التجارة العالمية خلال العام المقبل وعلى المدى القصير، خاصة مع تزايد التوترات السياسية التي تؤثر على طرق التجارة العالمية، وخفضت منظمة التجارة العالمية تقديراتها لنمو التجارة العالمية في عام 2025 من 3.3 بالمائة إلى 3 بالمائة، وفسرت ذلك بتفاقم الأزمة في الشرق الأوسط واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ومع ترقب متغيرات السياسات التجارية للولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارتها الجديدة، قد تتزايد التحديات أمام نمو التجارة العالمية.

وبعد عقود من ازدهار العولمة وتبني حرية التجارة على نطاق واسع في العالم، جاءت عديد من العوامل لتفرض تغيرات كبيرة في مشهد التجارة الدولية وتعيد تشكيل تفضيلات الدول لتتركز على التحكم في الصادرات والواردات من خلال إجراءات حمائية واتفاقيات التجارة الثنائية والحرة بين الدول والتكتلات الاقتصادية المختلفة، وأصبح من أهم العوامل المؤثرة على التجارة الدولية وأيضا على العلاقات الاقتصادية بين الدول هو التغير في موازين القوى الاقتصادية التي أصبحت تميل لصالح الاقتصاديات الناشئة في آسيا بقيادة الصين نتيجة معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة في آسيا والعامل الديموغرافي الذي يغذي هذا النمو على المدى الطويل.

وفي الوقت ذاته تحمل المتغيرات الخاصة بالتجارة الدولية فرصا للاستفادة من التحديات، وتتيح مساحة لتواجد أوسع لقوى تجارية جديدة على خارطة التجارة الدولية، فالتوترات السياسية التي عرقلت طرق التجارة الدولية خاصة البحرية، عززت توجه الدول نحو طرق بديلة للتجارة تعتمد على وسائط النقل المتعددة، وتقارير منظمة التجارة العالمية، ترصد أن التجارة التي كانت تتدفق مباشرة بين الصين والولايات المتحدة تمر الآن عبر ما يسمى بالدول الموصلة، أي دول وسيطة في نقل حركة التجارة الدولية، وقطاع الخدمات يقود بشكل تزايد نمو التجارة العالمية من خلال زيادة صادرات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث ترصد تقارير البنك الدولي النمو القوي للتجارة في الخدمات، خاصة الخدمات الرقمية، التي تعزز زيادة فرص العمل والاستثمار وتزيد من القدرة التنافسية للصادرات سواء من خلال تصدير الخدمات الرقمية أو استيراد الخدمات التي تتسم بالكفاءة لدعم أنشطة الأعمال، وهذه الخدمات بدورها تمثل مدخلات لسلع وخدمات أخرى، كما تخلق جهود العالم لاحتواء تغيرات المناخ والتحول نحو الطاقة المتجددة فرصا أيضا لنمو التجارة العالمية، إذ تشهد حصة الطاقة المتجددة من الصادرات العالمية ارتفاعا مستمرا، وتمثل الخطط الطموحة للتوسع في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر دعما للنمو الاقتصادي في دول من بينها سلطنة عمان وتعزيزا لتنويع صادراتها للأسواق العالمية.

وبشكل خاص تقدم المتغيرات في التجارة الدولية فرصا للدول التي حافظت على معدل نمو جيد خلال السنوات الماضية ومن المتوقع أن تواصل النمو بمعدلات جيدة خلال السنوات المقبلة ومن بينها دول منطقة مجلس التعاون التي أصبحت تمثل تكتلا اقتصاديا من خلال التوجه نحو التكامل الاقتصادي والتجاري بين دول المنطقة والتوسع في اتفاقيات التجارة الحرة وسعيها بشكل حثيث نحو الاعتماد على قطاعات التنويع وجذب الاستثمارات ودعم الأنشطة اللوجستية وحركة إعادة التصدير وزيادة عدد المناطق الحرة ورفع حجم الصادرات، مما يؤهل منطقة دول مجلس التعاون لاحتلال مكانة بارزة على خريطة القوى الاقتصادية والتجارية العالمية خلال السنوات المقبلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق