غزة: د. حكمت المصري
متى اللقاء؟ من أكثر الأسئلة التي تدور في عقل النازحين "متى اللقاء والعودة إلى الديار"، ليس من أجل العودة للبيت المدمر، بل من أجل لم شمل العائلات التي شتت بفعل الحرب المتواصلة.
تجلس الحاجّة هاجر التي ولدت عام النكبة (1948) م وسميت بهذا الاسم بعد هجرة أهل فلسطين من المدن الفلسطينية آنذاك، لتعيش نفس المعاناة وقسوة الحياة بعد أن فقدت خمسه من أبنائها في بيت لاهيا قبل أن تغادرها مجبرة بعد تهديدات جيش الاحتلال الإسرائيلي للنازحين المتواجدين داخل مدرسة الإيواء هناك تقول: "اشتقت لبيتي وأبنائي، اشتقت لشوارع بيت لاهيا، لأراضيها الخصبة، أنها جنة الله على الأرض، تمنيت الموت قبل أن أنزح منها، وأوضحت أنها نزحت على كرسيها المتحرك هي وبناتها وأحفادها، وبينت أن الظروف صعبة في النزوح، لقد تعرضنا لإطلاق النار بعد أن تجاوزنا حاجر ما يسمى بمنطقة الإدارة المدنية، سقط الكثير من الشهداء والجرحى ينزفون على الأرض دون إسعاف، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يخبرنا بأننا لن نعود إلى شمال غزة مطلقًا، وصلنا ليلًا إلى غرب مدينة غزة، معظمنا لم يجد مكانًا للإيواء، بعض النازحين افترشوا الأرض للنوم، ورغم ذلك ما زلنا صامدين، مؤكدة أن الحزن يسكن قلبها بسبب البعد عن بيت لاهيا مسقط رأسها.
وحين سُئلت عن رأيها فيما يتعلق بإمكانية إبرام صفقة تهدئة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، قالت: "أتمنى أن تتوقف الحرب في أسرع وقت، لقد تعبنا وعانينا من الموت البطيء والأمراض والجوع والقصف بعد انقضاء أكثر من 427 يوم على استمرار الحرب، نتمنى أن نحظى بوقف كامل للحرب وليس فقط تهدئه لفترة معينة، وأضافت: إنها ليست أمنيتي وحدي، بل أمنية جميع سكان قطاع غزة بعد أن أنهكتهم الحرب ودمرت قطاع غزة بالكامل، جميعنا دفعنا ثمنًا باهظًا في هذه الحرب، لقد فقدنا أحبتنا وأبناءنا وبيوتنا وعوائلنا، يكفي ما حدث، أنهت حديثها وهي تمسح بدموعها، على أمل أن تصل المفاوضات إلى فرصة جدية من أجل إنهاء الحرب.
في خيمة تقع بالقرب من بحر مواصي خانيونس كانت تجلس السيدة أم محمد ذات (32) عامًا، تتحدث عبر الهاتف بعد أن حصلت على نقطة اتصال، ما زلت أتمنى أن تنتهى الحرب في أسرع وقت لتتمكن من العودة إلى بيتها في مدينة غزة ورؤية زوجها الذي بقى هناك لوحده، قالت: صحيح أننا نتواصل عن طريق الهاتف، والإنترنت لكن هذا الأمر لا يشفي القلب، أكثر من سنة ونحن لم نرى بعضنا البعض، لم يحضن زوجي أولاده بسبب استمرار هذه الحرب، يسألني أطفالي عن سبب عدم مجيء والدهم طوال الوقت، وكثيرا ما كنا ننقطع عنه بالاتصال بسبب عدم توفر الاتصالات وقطعها، لم نكن نعلم أن هذه الحرب ستطول إلى هذا الحد، لقد تعرض المكان الذي يسكن به زوجي للقصف أكثر من مرة، أصيب في بداية الحرب ولكن بحمد الله أنه تعافى ولم نفقده. وتتلهف أم محمد لسماع أي خبر يعلن انتهاء الحرب، لتعود إلى بيتها المدمر في حي الشيخ رضوان، وتحتضن زوجها وتشفي قلبها من لوعة الاشتياق.
أما الحاج أبوطاهر الجوجو (55) عامًا، نازح في مدينة دير البلح، إن الاشتياق زاد للأهل والأبناء والجيران بشكل كبير رغم استمرار الحرب، مضيفًا أنه ينتظر لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار بفارغ الصبر. وتابع حديثه: اللقاء ثم اللقاء، هذا ما ننتظره من أجل لقاء أهلي وأصدقائي وجيراني في مدينة غزة، مشيرًا إلى أن الفراق صعب، وقد طال وإن البعد عن الأهل محزن، ولكن هذه هي الحرب. وأوضح أن الغزيين في مخيمات النزوح ينتظرون بفارغ الصبر لقاء عائلاتهم، وينتظرون متى تنتهي الحرب، وينتهي هذا الكابوس المزعج الذي حل بهم.
قصص النازحين مختلفة من موطن لآخر، كل شخص ينتظر قريب له أو جمع من أهله لأجل اللقاء، وإنهاء الاشتياق الذي كبر ثم كبر، وما زال يكبر بسبب استمرار الحرب حتى الآن.
مجموعة في الشباب النازحين كانوا يتابعون نشرة الأخبار في إحدى الاستراحات علي شاطئ البحر، أخبرني هاني (23) عامًا: سمعنا عن إمكانية الوصول إلى وقف إطلاق النار، وأن المفاوضات مستمرة ما بين الوفود والدول العربية الساعية للوصول لاتفاق، قال " لقد ضاع مستقبلنا بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي المؤسسات التعليمية في قطاع غزة، نتمنى أن تتوقف الحرب في أقرب وقت ممكن، لقد فقدنا الكثير من الأهل والأصدقاء والأحبة، معظم الشباب فُقدوا في هذه الحرب والكثير منهم تم اعتقاله، أتمنى أن تعود غزة إلى سابق عهدها، وأردف قائلًا: ها نحن نتابع الأخبار على أمل الإعلان عن وقف الحرب خلال الأيام القادمة".
وقد أظهرت مشاهد مصورة نشرها جنود الاحتلال الإسرائيلي الدمار الكبير الذي أصاب المدن الفلسطينية في شمال قطاع غزة بعد الاجتياح البري الذي تتعرض له منطقة شمال قطاع غزة منذ أكثر من شهرين متتاليين.
من جهتها، أكدت منظمة العفو الدولية أن العدوان الإسرائيلي على غزة يمثل "جريمة إبادة جماعية"، مشيرة إلى امتلاكها أدلة موثوقة تثبت تورط الاحتلال في جرائم حرب ممنهجة ضد الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأضافت المنظمة أن الاحتلال الإسرائيلي تمارس هذا العدوان بوحشية مفرطة مستغلة حالة الإفلات التام من العقاب على الساحة الدولية.
لقد باتت الأوضاع مأساوية جدا لأكثر من مليون ونصف المليون نازح ومشرد فلسطيني يعيشون في الخيام ومراكز الإيواء، وسط إغلاق المنافذ والمعابر والحصار، حيث أصبحت غزة على وشك الإعلان عنها رسميا عن منطقة جغرافية مصابة بالمجاعة نظرا لعدم توفر الدقيق ولعدم وجود رغيف الخبز في الأسواق، وهو الأمر التي أعلنت عنه الأمم المتحدة والمؤسسات الأممية الإنسانية في تصريحات عديدة.
أن هذا الأمر يتطلب حل تلك الكارثة الإنسانية عبر الحلول الإنسانية والتي على رأسها ضرورة تقدم مفاوضات التهدئة والوصول لصفقة تبادل تؤدي لهدنة إنسانية مؤقتة لمعالجة الأوضاع الإنسانية والإغاثية العاجلة، وكل ما يحتاجه قطاع غزة وخصوصًا في مواجهة الحرب والقصف والتدمير والجوع وانتشار الأمراض والأوضاع المأساوية لجموع النازحين، وعدم وجود أغطية وملابس تقي أجساد الجوعى من الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى من البرد القارس.
وحسب الأخبار الواردة والتصريحات فهناك جهود كبيرة ومضنية تقوم بها القاهرة منذ فترة طويلة من أجل الاقتراب من إنجاز حقيقي وفعلي لإبرام صفقة، وهذا الأمر قد يحقق نجاحا قريبا خلال الأيام القادمة عبر الجهود المصرية المستمرة عبر اللقاءات مع طرفي العلاقة حماس وإسرائيل.
هناك حالة تفاؤل في الشارع الفلسطيني، خاصة أن هذه الجولة من المفاوضات ستقود في نهاية المطاف بإنجاز هدنة إنسانية مؤقتة، وهذا من خلال ثقتهم العالية بجهود جمهورية مصر العربية وكافة الدول العربية الداعمة للقاهرة وللوسطاء، والأمر مرهون بشكل مهم بالولايات المتحدة التي تحسب نفسها كوسيط في عملية المفاوضات، أن تقوم بالضغط على إسرائيل هذه المرة بشكل جاد وفعلي من أجل قبولها بالهدنة الإنسانية المؤقتة التي نعتبرها كفلسطينيين مفتاح الحل وبوابة العبور لوقف إطلاق النار والحرب بشكل شامل ودائم على قطاع غزة.
0 تعليق