يتابع العالم صراعات الشرق الأوسط بقلق وترقب، وهو قلق متنوع مختلفٌ ألوانه؛ بين قلق المحب المشفق، أو قلق شريك المصير رفيق المرحلة، أو قلق المُتَنفِّع المأجور بعيدا كان أم قريبا، مخططا لهدف يتعلق بسلطة أو نفوذ في بلاد ممزقة أو عميل يتبع المال حيثما كان دون أي عناية بالأرض وإنسانها ومواثيقها وقيمها، لكن اليقين الثابت هو في ثبات الحالة الداعية لكثير من التساؤلات، ليس في سياق الوضع السوري فحسب، بل حول الوضع العربي عموما لتاريخ متضمن عقودا من الصراعات الداخلية أو الخارجية، ولن تحاول هذه المقالة اليوم الوقوف مع أو ضد هذه الحالة أو تلك، لكنها وقفة المتفكر المتدبر لتساؤلات عديدة، ربما كان في تكرارها آية للعبرة أو فسحة للتأمل.
ما الذي يوصل الشعوب لهذه الحالة من الانفجار الانفعالي المسلّح رغبة في التخلص من الحاكم بأي سبيل؟ هل لهذه الحالة علاقة بالوضع الاقتصادي العام وتداعيات ذلك على حياة الأسر والأفراد؟ هل هي نتيجة طبيعية لعقود من الكبت والتحمل حتى وصل الوضع إلى انفجار منطقي بعد سنوات من تراكمات ضغط وقهر وكبت في إغلاق منافذ الرزق ومنافذ التنفيس والتعبير عن الصراعات اليومية والصراعات النفسية معا؟ ما الذي يحفز هذه الحالة من التشفي في السلطة ودوائرها محكمة الإغلاق من الخصوصية، بالسعي لاختراقها وجعلها مشاعا منتهكا مثيرا للسخرية بعد تحفّظ وتقييد؟ هل للأمر علاقة بمحاولة الانتقام من فعل السلطة أوان نفوذها بانتهاك خصوصيات الأفراد ومهاجمتهم بنشرها وتزييفها سعيا لإسقاط مكانتهم الاجتماعية أو السياسية في شعوب جمعية تتأثر بالكلمة وتعاقب بالإقصاء والتهميش؟ هل تكريس الصوت الفردي الواحد رغما عن الجميع هو الذي أسلم الشعوب إلى استهداف هذا الصوت القائد الواحد المتفرد أوان التمرد والثورة تعبيرا عن رأي قمعه النظام حتى يخرج وكأنه إعلان هذا الرأي هو هدف هذه الجماعات الوحيد؟
من المسؤول عن حالة الفوضى قبل وأثناء وبعد سقوط وتبدل الحكم؟ هل هو الحاكم السابق الذي أحاط نفسه بسياج من القوى الأمنية منعته عن عامة الشعب ومنعتهم عنه حتى أوصله ذلك المنع إلى حالة من تعاظم الذات وتضخمها حدّ تحميل البلاد سلسلة من القرارات والعقابات الدولية التي دفع فواتيرها شعب ممنوع من الوصول إليه، مقموع عن التعبير عن واقعه؟ أم هي منظومة الحكم ممثلة في حكومة جشعة آثرت مصلحتها الشخصية متمثلة في توزيع المناصب والمصالح وتهميش المنافسين والخصوم على حساب نقل الصورة الحقيقية لمعاناة الشعب الواقعية للحاكم، والسعي لبناء جسور توافق ومحطات تواصل قد تصل ببلاد متعبة إلى بر أمان مؤقت حتى إدراك منافذ حلول مشتركة لتجاوز تحديات مرحلية صعبة عليهما معا حكومة وشعبا؟
هل يمكن الوثوق بالحلفاء أصدقاء الثروة والنفوذ بعد كل هذه النماذج من خذلان الحليف وخيانة الشركاء؟ وهل يمكن العبور على الحدث دون دراسة تفاصيل المرحلة تحليلا تفصيليا دقيقا يستحضر شخصيات المشهد وأبطاله، سواء كانوا أولئك المتصدرين الموقف الظاهرين شخوصا وخطابا، أو أولئك المختبئين خلف كواليس مسرح الحدث، أو خلف أقنعتهم المتلونة الكثيرة؟ ومن سيعنى بتحليل كل ذلك أوان انشغال المعنيين بإصلاح حالة الفوضى بعد السقوط والتبدل، وتعزيز الثقة (ثقة الشعوب في البدائل) بعد معاناتهم مع ثقة سابقة استنزفت طاقاتهم وحياتهم وأمانهم المرتبط بالمكان والزمان؟
ختاما: من السهل أن نتشارك الضحك اليوم حالة طبيعية لمجتمعات مكبوتة تترقب الخلاص وتحلم بتفشي الفرح والعدالة والمساواة، وتتمنى وصول صوت الجماعة المنتصر للأفراد المنهكين واقعا ورؤى، المؤمن بمشاركة الأرض موارد وثروات وفرصا تماما كمشاركتها صراعات وتحديات وتقشفا، بل قد تصل إلى اكتفاء شعبي بمجرد سقوط الرمز الممثل للسلطة والنفوذ والحكم، وما خوف الشعوب اليوم إلا خوف فارس عبس وشاعرها «عنتر بن شداد» المعروف الوطني المستنزف في الحروب المنسي المقصيّ عند الغنائم والنصر، «لكنه ضحك كالبكاء» إن وضعنا في اعتبارات الاحتفاء ما سيأتي من بدائل، والمستجد من سيناريوهات بعيدة بعد تنهيدة الضحك، ونحن لا نملك اليوم إلا تمني الأفضل لسوريا بلادا جديرة بكل الخير وكل الأمان أرضا وشعبا، كما لا نملك إلا استحضار أبيات عبدالوهاب البياتي
قريبة دمشق
بعيدة دمشق
من يوقف النزيف في ذاكرة المحكوم بالإعدام قبل الشنق؟
....
من يوقف النزيف؟
وكل ما نحبه يرحل أو يموت
يا سفن الصمت ويا دفاتر الماء وقبض الريح
موعدنا ولادةٌ أخرى وعصر قادم جديد
يسقط عن وجهي وعن وجهك فيه الظل والقناع
وتسقط الأسوار
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
0 تعليق