- كيف يتجنب الإنسان استصغار المعصية فـي نفسه ويكون مستشعرا لأفعاله وأقواله خصوصا لمن اعتاد على الخوض فـي الكلام عن الناس؟
على المسلم أن يعظم الله تبارك وتعالى، ومن تعظيم الله جل جلاله أن يعظم حدوده التي حددها له. الغيبة من الكبائر، كما ذكر السائل، وإذا عظم العبد ربه جل وعلا، كان أبعد ما يكون عن إغضابه سبحانه وتعالى. يقول الله تبارك وتعالى فـي كتابه الكريم محذرًا من هذه الآفة الخطيرة: «وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ». يشبه الله تعالى هذا الذي يخوض فـي عرض أخيه بما يكره بصورة من يأكل لحم أخيه ميتًا، وهي صورة مقززة تنفر منها الطباع السليمة.
هذا التشبيه يهدف إلى بيان خطورة هذه الآفة العظيمة والتنفـير منها، فهي من الكبائر التي يكرهها الله تبارك وتعالى، وحرمها فـي كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقد عرف رسولنا عليه الصلاة والسلام الغيبة بقوله: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ». فقيل: «أرأيت إن كان فـي أخي ما أقول؟» فقال: «إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِن لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».
وقد توعد الله تبارك وتعالى المغتاب بوعيد شديد فـي الآخرة. يقول الله تبارك وتعالى: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ». وقد رأى كثير من المفسرين أن الهمز واللمز من صنوف الغيبة؛ فالهمز يكون بالقول، واللمز يكون بالإشارة والفعل، مما يعني أن خطر الغيبة لا يقتصر على ما يقوله الإنسان، بل يشمل حتى الإشارات وتعابير الوجه.
لذلك، يجب على المسلم أن يطهر لسانه من الغيبة، ويحذر من الوقوع فـيها. ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يعظم الله تبارك وتعالى، ويعظم حدوده فـي قلبه، ويغرس فـي نفسه تقوى الله عز وجل. كما ينبغي أن يستبدل خوضه فـي أعراض الناس بذكر الله تبارك وتعالى فـي كل وقت وحين.
أما النميمة، فإن شأنها لا يقل خطورة عن الغيبة. يقول الله تبارك وتعالى: «وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ». وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فـي الحديث: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنَ الْبَوْلِ». وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الذي يمشي بين الناس بالنميمة مستحق للعذاب، وهو وعيد شديد يبين خطورة هذا السلوك.
النميمة هي أن يسعى أحد بين الناس بما يفرق بينهم، فـينقل كلامًا من شخص لآخر بقصد التفرقة وبث الشحناء والعداوة. وقد ورد فـي الحديث الصحيح: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ». وفـي رواية أخرى: «قَتَّاتٌ»، وهما بمعنى واحد. هذا وعيد شديد يبين خطورة النميمة.
على المسلم أن يحذر الوقوع فـي سخط الله تبارك وتعالى بجلب مثل هذه الكبائر التي تؤدي إلى الهلاك، والعياذ بالله. عليه أن يطهر قلبه ولسانه، ويعمر قلبه بالطاعات وذكر الله عز وجل والخشية منه، وأن يكون دائم الاستغفار والسعي إلى التقوى. والله تعالى أعلم.
- يقدّم الناس اليوم قراءات وتحليلات حول الأوضاع السياسية الراهنة، مثل ما يحدث فـي غزة، حيث يتناول بعض الكتّاب قراءات سياسية مجتزأة. ويتحول هؤلاء أحيانًا من تقديم رأي سياسي إلى إصدار أحكام قطعية، مما يؤدي إلى اتهامات متبادلة بالتخوين أو تقديم قراءات متحيزة. السؤال هنا: هل مثل هذا السلوك يدخل فـي نطاق الغيبة؟ وما هي الضوابط الشرعية التي يجب أن يراعيها الإنسان عند تقديم تحليلاته؟
عندما يقدم الإنسان تحليلا لحدث معين بناءً على ما بلغه من معلومات، دون التعرض لأشخاص بعينهم أو الخوض فـي أعراضهم، فإن ذلك قد يكون مقبولا شرعًا، بشرط التثبت والتحقق من صحة المعلومات. إذ إن الجهل أو الحديث فـي أمور لا يحسنها الشخص قد يدفعه إلى أخطاء جسيمة، مثل مناصرة الباطل أو التخذيل عن الحق.
أما إذا تعرّض التحليل لأوصاف المجاهدين أو المقاومين أو تمادى إلى التشكيك فـي نياتهم وأفعالهم، فإن ذلك يعتبر من أعظم الإثم. فهو لا يقتصر على الغيبة فحسب، بل يدخل فـي دائرة التخلي عن نصرة الحق، ومناصرة الباطل، والخوض فـي أعراض من هم خير ممثلي المسلمين اليوم فـي الصبر، والمقاومة، والجهاد فـي سبيل الله.
هذا النوع من السلوك يعكس فساد الفطرة، وغشاوة القلب، واستمراء الفساد، مما يجعل صاحبه واقعًا فـي سلسلة من الكبائر. والمسلم مأمور شرعًا بالحذر من هذه الآثام، حتى أدناها، فكيف إذا اجتمعت؟ والله تعالى المستعان.
ـ ما حكم إزالة الشعر بين الحاجبين، وما حكم تشقيره؟
إن حكم إزالة الشعر بين الحاجبين محل خلاف بين العلماء. والظاهر أن هذا الشعر المتصل بالحاجبين يُعتبر جزءًا من الحاجب نفسه، وبالتالي حكمه حكم الحاجبين. فالحاجبان فـي اللغة هما الشعر الذي يقع فوق العين فـي بداية الجبهة، بعد تجويف العين. قد يمتد الحاجب طولًا أو عرضًا، وقد يلتقي الحاجبان عند البعض. إذا التقى الحاجبان، فإنه يمكن اعتبار الشعر الملتقي بينهما جزءًا من الحاجب.
أما إذا كانت الحواجب قصيرة عند بعض الناس (رجالًا ونساءً) بحيث لا يلتقيان، فـيستند الحكم هنا إلى ما جاء فـي سنة النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن النمص أو التنمص، وهذا يشمل كل ما يصدق عليه أنه حاجب. وبالتالي، فإن إزالة الشعر بين الحاجبين، إذا كان جزءًا من الحاجب، يعد محرمًا، كما هو الحال فـي حكم إزالة شعر الحاجبين نفسه.
لكن الفقهاء قد أباحوا إزالة الشعر إذا كان هناك تشوه ظاهر. لكن هذا التشوه لا يجب أن تحكم عليه المرأة بنفسها، بل يتم النظر فـيه من قبل نساء صالحات وأمينات يمكنهن الحكم إذا كان هذا التشوه غير طبيعي. أما إذا كان الشعر بين الحاجبين ليس بتشوه واضح أو غير طبيعي، فإن الحكم فـي هذه الحالة يكون على حسب المعتاد فـي شكل الحواجب وتفاوت الناس فـي شكلهم.
أما بالنسبة لسؤال التشقير (أي تفتيح لون الشعر بين الحاجبين أو حول الحاجبين بدلاً من إزالته)، فالأمر مختلف. التشقير ليس من النمص أو التنمص لأنه لا يتضمن إزالة الشعر. العلماء المعاصرون اختلفوا فـي حكم التشقير، فبعضهم يوسعه وبعضهم يضيق فـيه. الحقيقة أن القول بالتحريم فـيه يعتبر مبالغة، لأنه ليس إزالة فعلية للشعر بل تغييره لونًا، وبالتالي لا يمكن قياسه على النمص.
وعليه، فإن القول بجواز التشقير فـي هذه الحالة ليس فـيه مخالفة واضحة للدليل الشرعي، شريطة أن لا يكون هناك غلو أو تغييرات مؤثرة على الشكل الطبيعي. أما إذا تم التشقير بما يتعارض مع الضوابط الشرعية للزينة، فإن ذلك قد يدخل فـي نطاق الممنوع.
0 تعليق