في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، تزداد الأصوات التي تنادي بتمكين المرأة واستقلالها، ومع أهمية هذه الدعوات وأهدافها النبيلة، يقع البعض في فخ الفهم الخاطئ لمعنى الاستقلال، فقصة عباس وعزيزة تُظهر لنا كيف يمكن أن يؤدي سوء الفهم إلى خسائر لا تُعوّض.
عزيزة كانت امرأة طموحة، نشأت وهي تؤمن بأن العمل والمكانة الاجتماعية هما المفتاح الوحيد لتحقيق السعادة، حين تزوجت من عباس وبعد فترة من الزواج والأبناء، شعرت أن الزواج قيدٌ يكبل أحلامها، لم ترَ في الحياة الزوجية إلا مسؤوليات ومطالب متزايدة، ومع ضغط العمل والرغبة في إثبات ذاتها، قررت أن تستقل تماماً، فطلبت الطلاق رغم محاولات عباس لإقناعها، إلا أنها أصرّت وحصلت عليه.
عباس، الذي كان زوجاً مخلصاً وداعماً، شعر بصدمة كبيرة، لكنه أدرك أن الحياة لا تتوقف عند محطة واحدة، بعد فترة من الحزن، قرر المضي قدماً، وتزوج مرة أخرى وأنشأ عائلة سعيدة، بينما واصل تحقيق طموحاته.
أمّا عزيزة، فقد ألقت بنفسها في دوامة العمل والحياة الاجتماعية، بدا في البداية أنها سعيدة وناجحة، لكنها، ومع مرور السنوات، بدأت تشعر بفراغٍ عاطفي متزايد، وبعد أن انتهت مسيرتها المهنية عندما بلغت سن التقاعد، وجدت نفسها وحيدة في منزل كبير، بلا زوج أو أبناء يحيطون بها، شعرت أن العمر قد مضى سريعاً، وأن الأحلام التي سعت إليها لم تكن كافية لتمنحها السعادة الحقيقية، تساءلت هل كان الطلاق الحل الوحيد لتحقيق طموحي؟ هل أسأت فهم معنى الاستقلال؟
الاستقلال ليس الانفصال عن الأسرة أو الهروب من المسؤوليات، بل هو القدرة على تحقيق الذات مع الحفاظ على العلاقات الاجتماعية والأسرية. الاستقلال الحقيقي يعني أن تكون المرأة قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، دون أن تتعارض مع مسؤولياتها كزوجة وأمّ، فالأسرة ليست عائقاً، بل هي أساس الدعم والسعادة.
هذه القصة ليست مجرد حكاية، بل هي انعكاس لواقع لبعض الحالات التي نراها حولنا، الطموح جميل، لكن يجب ألّا يكون على حساب الأسرة، فالعلاقات الإنسانية هي الأهم، وفي نهاية المطاف، لن يتذكر أحدٌ عدد الجوائز التي حققتها أو المناصب التي وصلتها أوالأموال التي جمعتها، بل سيبحث عن الوجوه التي أحبّها والتي أحبّته، السعادة الحقيقية تأتي من القدرة على الموازنة بين العمل والطموح والعلاقات الاجتماعية.
ليكن شعارنا «لنمشِ في الدرب سوياً، إذا تعثرتِ فاتّكئِي عليَّ، وإذا أنا تعثرتُ أتّكئُ عليكِ، حتى نصل معاً إلى النهاية»
0 تعليق