مفارقات في السياسة والعرفان - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كيف تفسّر أن غزليّات جلال الدين الرومي (1207-1273) هي الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، بين شعراء العالم جميعاً؟ في العقد التاسع من القرن الماضي، صدرت هناك باقة من الغزل الصوفي للمولوي حققت رقماً قياسياً في المبيعات، وترجمت إلى ثلاث وعشرين لغةً، وجاوز عدد المبيع حتى أيامنا المليوني نسخة.
السؤال الثقافي: هل طبيعة معنويّات الشعوب شيء، ومنظومة الأفكار السياسية والاقتصادية التي تقودها شيء آخر؟ هل تذكر أن الرئيس السابق دونالد ترامب، طلب من الرئيس الأسبق جيمي كارتر أن يعطيه نصائح في شأن التعامل مع الصين؟ يومها قال له الأخير: «إن الولايات المتحدة أهدرت ثلاثة تريليونات دولار في حروب لا طائل من ورائها، بينما أنفقت الصين ثلاثة تريليونات دولار في إقامة أكبر شبكة قطارات سريعة في العالم». أضاف كارتر: «إن الولايات المتحدة هي أشدّ الدول عدوانيةً في التاريخ». الأمر جليّ، فوقوع الشعب الأمريكي في غرام إبداع التجليات الصوفية، لا تربطه علاقة بحاملات الطائرات والقاذفات العملاقة والغواصات النووية. بل إن المراقب الثقافي يلاحظ الكثير من الشواهد على تلك المفارقة الفاصلة بين الهوى الثقافي المعنوي لدى جماهير شعب، والقنبلة العنقودية من الأفكار التي تسيّر شؤونه.
مثال الإمبراطورية يفوق الوصف من حيث قوة التعبير، لكونها أقوى دولة في التاريخ منذ نشأت الدول. لكن، تأمّل المفارقات العجيبة، فالثقافة ومكوّناتها عالم منفصل غير قابل للتزييف، لأن الروح الإبداعية لا تقبل الزيف، حتى ولو رُصدت للتزييف ملايين التريليونات. خذ مثلاً: لديهم، في الأقل، منذ القرن التاسع عشر، حشود مئوية من مؤلفي الموسيقى السيمفونية، ولكن عشاق هذا الفن الكلاسيكي في العالم لا يعرفون منهم حتى ما هو دون أصابع اليد الواحدة. على الأرجح يعرفهم قادة الأوركسترا. خذ أيضاً: هل تعرف لهم فلاسفةً لهم تأثير في شعوب العالم وأممه؟ لا تسأل لماذا؟ لأن الفلسفة والفكر في شمال القارة الجديدة، استأثرت بهما أدمغة كبار الجغرافيا السياسية والجيوستراتيجية. كيسنجر وبرجنسكي هما صانعا ثقافة استراتيجية تشق المسالك لأكبر الخطط في السياسة الدولية. أمّا الأدوات، فبدلاً من الإبداع الفكري والأدبي والفني، تعبّد دروب صناعة الأحداث، بالرأسمالية والقوة الصلبة والهيمنة العالمية. فأيّ مجال للتصوّف حين يتكلم حق القوة؟ لكن الهوى الثقافي جارف، جاذب من الباطن.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكريّة: للثقافة طرائقها الخاصة في اختيار الجسور المعنوية.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق