واقع العلاقات اللبنانية السورية ومستقبلها - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. خليل حسين

تكتسي العلاقات اللبنانية السورية بصفة التغير والتبدل، بالنظر لطبيعة الظروف التي تحيط بالبلدين تارة، وتارة أخرى بطبيعة النظم السياسية التي تبدّلت وتغيّرت إبّان استقلال البلدين عن فرنسا. ومفارقة هذه العلاقات ديمومة ارتباطها بشكل وثيق مع العديد من القضايا العربية والشرق أوسطية، لدرجة أنها وصفت وكأنها مقياس لطبيعة ومستوى التحالفات الإقليمية وحتى الدولية التي تحيط بهما.
وما يزيد الأمور تعقيداً في الصورة النمطية لطبيعة العلاقة وما يؤثر بها، الجغرافيا السياسية التي تأسست عليها كل من الدولتين، علاوة على الروابط الاجتماعية التي جمعت الشعبين، لاسيما أن كلا البلدين خضعا للحكم العثماني، حيث اختلطت الكثير من المعالم الاجتماعية لتؤسس لصورة يصعب معها في كثير من الأحيان تمييز البلدين في الكثير من المسائل.
فلبنان الذي تأسس في العام 1920 ضمّ أكثر من ثلثي أراضيه عن إقليم سوريا إلى جبل لبنان، والتي عرفت باسم الأقضية الأربعة، حيث بدأت صورة التناقضات تتبلور برفض المسلمين الانضمام إلى الدولة الوليدة، والإصرار على البقاء ضمن الإقليم السوري، واستمر هذا الوضع لما بعد العام 1936 حيث لعبت الكتلة الوطنية في سوريا دوراً حاسماً في إقناع المسلمين بالانضمام إلى دولة لبنان، والتخلي عن فكرة الوحدة مع سوريا. ومع تلاشي تلك المطالب مع انتهاء الانتداب الفرنسي، تركزت العلاقات بأبعاد مختلفة تبدلت وتنامت مع تبدل المشهدين العربي والإقليمي وبالتأكيد الدولي. حيث ظهرت العديد من القضايا كمؤثرات في طبيعة العلاقات، من بينها العامل الفلسطيني بعد حرب 1948 و1967 وبخاصة أحداث الأردن 1969 وانتقال العمل العسكري الفلسطيني إلى لبنان عبر اتفاق القاهرة، والذي من خلاله تبدّدت طبيعة العلاقات المفترضة، إلى توتر دائم بعدما انقسم اللبنانيون بين مؤيد للعمل الفدائي ومعارض له، حيث دعمت سوريا المسلمين والحركة الوطنية بمواجهة الجبهة اللبنانية التي تأسست عبر أحزاب مسيحية، ومع انفجار الحرب الأهلية اللبنانية، دخلت سوريا مباشرة لإدارة الأزمة القائمة، برعاية عربية أولاً عبر قوات الردع العربية التي ما لبثت أن انسحبت، لتبقى القوات السورية متحكمة بالواقع اللبناني حتى 26 إبريل/نيسان 2005 تاريخ انسحابها من لبنان، تحت ضغط تداعيات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
تأسست العلاقات الثنائية على قواعد مختلفة بحسب الظروف ومقتضيات الأمر الواقع الذي حكم ظروف البلدين، فبعد العام 1975، تاريخ بدء الحرب الأهلية وتسلم سوريا إدارة الأزمة، طغى على العلاقة مزيج من المؤثرات، مع الأحزاب اللبنانية وبنسب قليلة التأثير مع السلطات الرسمية، حيث دعمت قوى بمواجهة قوى أخرى، ولم تتوانَ أيضاً عن الدخول في معارك لقلب موازين القوى بين الأطراف اللبنانية.
في العام 1991 تمّ توقيع «معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق» بين البلدين، التي كانت بمثابة إعادة تكوين العلاقات البينية على أسس رسمية مؤسساتية، والتي من خلالها تمّ توقيع 42 اتفاقية ثنائية شملت مختلف المجالات الاستراتيجية، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، بحيث لم يترك شأن إلا ونظمت فيه اتفاقية تفصيلية، حيث ظهرت الكثير من الأصوات المعترضة على الكثير منها، لاعتبارات عدم توازن المصالح، وطغيان التأثير السوري فيها وتداعياته على الواقع اللبناني.
وقد شهدت تلك المرحلة 1991 – 2005 إدارة سورية واضحة للواقع اللبناني، عبر مستويات ومبادئ سياسية استراتيجية كمبدأ وحدة المصير والمسار الذي بدأ مع المفاوضات العربية الإسرائيلية عبر مؤتمر مدريد وملاحقه، وعبر الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، والاقتصادية والتجارية، وقضايا المياه والثقافة والسياحة وغيرها الكثير.
اليوم ثمةَ واقع مختلف تماماً بعد انهيار النظام السوري، وقطف إسرائيل لنتائج حربها على غزة ولبنان، ودخولها أيضاً في الأزمة السورية بشكل مباشر، إضافة إلى معطيات ومؤشرات إلى تداعيات أخرى إقليمية تشمل العراق وإيران وتركيا وغيرها، ما يشي بضرورة النظر بواقعية في طبيعة مستقبل العلاقات المفترضة بين البلدين، في ظل ظروف قاهرة ستزيد من منسوب الضغوط على الطرفين لبناء علاقات طبيعية مقبولة قابلة للحياة.
وفي هذا الإطار ثمةَ تحديات كثيرة تنتظر الطرفين، بدءاً من الاتفاقيات الثنائية ال 42، حيث الكثير من الأصوات المعترضة عليها، إضافة إلى قضية النازحين السوريين في لبنان، الذين بلغوا في أقل تقدير مليونَي نازح، وسط غياب للمعلومات الدقيقة عن أوضاعهم، وفي ظل تجاهل دولي لقضاياهم التي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على الواقع اللبناني، إضافة إلى قضايا ترسيم الحدود والتبادل التجاري وتنظيم العمالة السورية في لبنان وغيرها. فهناك عشرات القضايا الحساسة التي تستوجب البحث والحل لتستقيم العلاقات البينية بين الطرفين.
في الماضي، شاع مصطلح لبنان الخاصرة الرخوة لسوريا على قاعدة المخاطر المحتملة، اليوم انقلبت الصورة لتصبح سوريا الخاصرة الرخوة للبنان على قاعدة تفشي المخاطر المحتملة، والأمر لا يقتصر بالضرورة على المسائل والقضايا الأمنية والعسكرية، الواقع يستلزم جهوداً وازنة أولاً، للحفاظ على الجغرافيا السياسية للبلدين، وثانياً، العمل على تنظيم وحل القضايا الخلافية، ذلك يتطلب واقعية سياسية بمستويات رفيعة، في زمن باتت المخاطر كبيرة جداً، حيث لم يعد الصراع مقتصراً على النفوذ في المنطقة، إنما ثمة صراع غير معلن رغم وضوحه على إعادة ترتيب الجغرافيا السياسية للإقليم الذي بات جاهزاً لذلك.
* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق