هل تستطيع البوح بما يختلج في خاطرك من أسئلة ثقافية قذفتها الأمواج السياسية في الشرق الأوسط ؟ قال القلم: أوّل الهمّ مدٌّ اصطلاحي أمسى جزْراً في الدلالة والمضمون. أيامَ اهتزاز الأرض على إيقاعات الأناشيد القومية، كانت كلمة المرور هي الأمّة. حدثت تداعيات سياسية أدّت إلى انخفاض منسوب المعنى، فأصبح مصطلح العالم العربي بديلاً من الأمّة، وعلى طريقة: «والنفس راغبة إذا رغّبتها.. وإذا تُردُّ إلى قليل تقنعُ»، أضحى الحديث عن الشرق الأوسط، وهو يعني أن الخريطة تشمل مجموعةً من البلدان العربية وإيران وتركيا، وإسرائيل التي ليس لها دستور ولا حدود مرسومة محددة، قل إن شئت إن حدودها «فري سايز»، والأصح لها مدّ ليس له جزر. الطريف هو أنه من بين مئات ملايين العرب والأتراك والإيرانيين، لم يجرؤ أحد على القول «سأغير الشرق الأوسط»، وفعلها الآخر «إنه كان ظلوماً جهولاً».
أصل الموضوع كان الأسئلة القنفذية. يقيناً، ليس من اختصاص المثقفين والإعلاميين ملامسة الأشواك الفولاذية، فتلك شؤون المدبّرين أمراً في الديار العربية، والمدبّرين مؤامرات من خارج الخريطة العربية. حتى في الثقافة صار علينا أن نقنع بما دون النجوم، وألاّ نطمح إلى تصوّر ما بعد نهاية رئاسة دونالد ترامب. كيف سيكون الشرق الأوسط آنذاك، حتى نحاول استشراف أحوال الثقافة سنة 2029؟ هل من عربي، في الميادين المعنية، وقع بصره على بحث في قضية مثل: ما مدى تأثر اللغة العربية بالتقلبات الجيوسياسية الإقليميّة؟ غياب هذه الدراسات يعني: إمّا عدم اكتراث المتخصصين، وإمّا أن الموضوع غير مهمّ. هل لعاقل القول بعدم أهمية الموضوع؟ فماذا يعني إهماله؟
هذه الأسئلة مرحلة متقدمة في أولويات التناول، يجب التمهيد بالمقدمة: لماذا لا نرى ندوات تلفزيونيّةً تبحث وتحلل مقولة الرئيس الأمريكي القادم: «إن دولة إسرائيل صغيرة تكاد لا ترى على الخريطة، ويجب أن تتوسع». إنه ينظر إلى الساحة كما لو كانت كعكةً، وأن أحد الأطراف غُبن في حصّته، فيجب إنصافه. أليس من حق المثقفين والإعلاميين أن يعرفوا رؤوسهم من أرجلهم؟ حتى الذين يكتبون«هباب» كلمات الأغاني، من حقهم أن يعلموا بأيّ لهجة يكتبون، إذا كانت الخرائط ستتغير. التغيير سيطال المناهج في التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية. الموسيقيون أيضاً، فنبرات المقامات مختلفة. هل لغتنا بلا هوية وانتماء، حتى لا تتأثر بتداعيات الدومينو.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: على الجميع إدراك أن السياسيّ لا ينفصل عن الثقافيّ، والثقافيّ لا ينفصل عن السياسي.
0 تعليق