إقدام إسرائيل على حرق مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة، وتشريد المرضى والأطباء والمستجيرين به من النازحين، والتنكيل بهم في ظروف مأساوية لا تطاق، ستظل واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها هذا الاحتلال بحق الإنسانية والشعب الفلسطيني، وبرهاناً آخر على الانتهاك الصارخ لأحكام القانون الدولي الإنساني والمواثيق والأعراف الدولية كافة.
هذه الجريمة، التي تحرق الضمائر، يقوم بها جيش إسرائيل الذي يمارس إبادة جماعية متعددة المستويات والفصول في قطاع غزة أمام سمع العالم وبصره، دون أن يكف هذا الجيش عن قتل الأبرياء والتدمير الممنهج لكل مرافق الحياة، وأولها المستشفيات والمدارس، التي تحظى بحرمة وحماية بموجب الأخلاق وضوابط الصراعات المسلحة، مثلها مثل المدارس ومراكز الإيواء المصنفة على أساس أنها أعيان مدنية، يحظر استهدافها.
لكن الحقيقة أن كل المرافق أو المنشآت أو خيام اللاجئين، هي عند إسرائيل أهداف عسكرية بشهادات جنودها الذين يتبجحون بقتل العزل من النساء والأطفال وكبار السن، وما جرى من استهداف للخيام وحرقها على رؤوس من التجأوا إليها، يؤكد أن القتل العبثي الإسرائيلي لم يعد يلتزم بأي حد، وأنه مستمر في عدوانه حتى إنهاء الوجود الفلسطيني في غزة.
أمام صمت العالم وعجزه، أصبحت الجرائم الإسرائيلية أمراً معتاداً، وفي كل مرة تخترع هذه العقلية انتهاكاً غير مسبوق، ففي بداية العدوان العام الماضي، حدثت جرائم في مستشفيات المعمداني والشفاء والعودة، ولاحقت الغارات طوابير المهجرين، من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال، والجياع أمام نقاط توزيع المساعدات الإنسانية، وقوافل الإغاثة، وقتل العشرات من موظفي الوكالات الأممية والصحفيين، وكان يفترض أن تتوقف هذه الحملة العدوانية قريباً، ولكن ها هي تستمر لأكثر من 450 يوماً، ولا تبدو لها نهاية في الأفق، خصوصاً بعد تعثر جولة المفاوضات الأخيرة، لتنطفئ بارقة الأمل المتبقية للتوصل إلى هدنة تحقن دماء الأبرياء وتقطع الطريق أمام مزيد من التدهور والتصعيد في الأراضي الفلسطينية وعموم المنطقة.
غزة اليوم باتت أكوام أنقاض وشعباً يموت بالغارات الإسرائيلية حيناً وأحياناً بالجوع والأمراض والأوبئة، وبات الأطفال أكبر شريحة تدفع الثمن، وما قالته منظمة الصحة العالمية عن أن الرضع والأطفال باتوا يتجمدون حتى الموت بسبب البرد القارس وفقدان المأوى، هي شهادة صادقة تصف واقعاً مؤلماً، ولكنها عملياً لا تفعل شيئاً، ولا تملك أن تفرض على الدولة القائمة بالاحتلال أن ترتدع وتغير سياساتها، لأن مجلس الأمن الدولي المؤتمن على السلم وحفظ حياة الشعوب وكرامتها، غائب ومغيب، بعدما بات رهينة للفيتو الأمريكي، الحاضر دائماً لحماية إسرائيل من الملاحقة والإلزام بوقف إطلاق النار وحماية الشعب الذي تحتل أرضه وصادرت مستقبله.
إنه وضع لا يطاق، والتداعيات ستكون خطيرة وكبيرة، حتى وإن حققت حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة أهدافها في هذه الحرب الملعونة. فما جرى ويجري في غزة ليس عملاً من أعمال الحرب، وإنما بشاعة وفظاعة لا يفعلها حتى الطغاة والمجانين، وتؤسس لمرحلة مظلمة من الأحقاد والصراعات التي تقودها عقائد سياسية موغلة في التطرف ولا تعرف غير القتل والإبادة وشطب الآخر من الوجود.
0 تعليق