هل بين الشعر والعلم جسور أو سواقٍ أو ممرّات سرّيّة؟
ثمّة ما هو أعجب، شعرة أحياناً تفصل بين بحرين. توارد خواطر رائع، بين المعرّي وعمر الخيّام. بيتا الشاعرين يومضان في الذهن عند التصفح الشبكي لعدد مجلة البحث الفرنسية «لا روشيرش» الفصلية، الذي سيصدر في يناير المقبل.
في هذا العدد حوار مطوّل مفصّل (2500 كلمة) مع البروفيسور مارك أندريه سيلوس، الأستاذ في «المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي»، اقتطفت المجلة عنوانه من اللقاء «التربة ميراثنا». وقد آثر القلم، لأسباب عدة، عدم التقيّد بصيغة جمع التربة في العنوان، فالإفراد أبلغ. بالمناسبة، من عجائب اللغة أن المفرد أكبر من الجمع في أمثلة كثيرة، فالحريّة أكبر من الحريات، والقانون أكبر من القوانين، واسم الجنس عموماً أكبر من الجمع، كالشجر أكبر من الأشجار والإنسان والإنس أكبر من الناس. ما إن وقع البصر على «التربة ميراثنا»، حتى أعاد قراءتها «الأديم تراثنا»، فعلا صوت أبي العلاء: «خفّفِ الوطء، ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجسادِ»، وإذ بكوكب الشرق تتجلى في رباعيات الخيام: «فامشِ الهوينا إن هذا الثرى.. من أعين ساحرة الاحورار».
لكن البروفيسور سيلوس يبرهن لنا على أن التحليق ممكن أيضاً في أعماق الثرى، لا في الثريّا فقط، فالتربة عالم أبعد مدىً من التراب. يقول: «في التربة توجد المادة في كل حالاتها، الصلبة والسائلة والغازية. إنها غنية بالتنوع البيئي، خلية تعجّ بالحيوانات والأجسام الدقيقة، التي تعيش وتتغذى بطرائق مذهلة في تعددها. هذا النظام البيئي ذو الحيويّة الفائقة يسدي خدمات شتى إلى البشرية».
يُفصّل: «التربة تخزّن وتقدم المواد الغذائية والماء للنباتات، ومن ثَمّ لبقية الأجسام الحية. إنها دعامة نموّ النباتات والنشاطات البشرية. للتربة وظائف أساسية في التصفية والتنقية، اللتين لهما صلة بجودة الماء والهواء، فضلاً عن دعم البنى التحتية بتأمين المواد الأولية كالخشب وغيره. وتلعب التربة دوراً رئيساً في أداء الأنظمة البيئية في الكوكب. إن التربة ليست حيّة في حد ذاتها، لكنها مفعمة بالحياة التي تنتج الخدمات البيئية، بمكوناتها المعدنية والغازية والعضوية».
إحدى تحف الحوار: «التربة مزيج من المعادن والمادة العضوية المتمثلة في الكائنات الحية. الأخيرة تشكل 0. 1% من كتلة التربة، لكنها تمثل 60% من الأنواع الحية على الأرض وهذه هي التي لها اليد الطولى في إيجاد خصوبة التربة».
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: دعا البروفيسور إلى تغيير نظرتنا إلى التربة، بوصفها تراثنا وميراثنا قائلاً: «ذلك يبدأ من التعليم».
0 تعليق