فاطمة العفيشات - وسط حرب توشحت بالسواد منذ عام ونيف، احتضن بمعطفه الأبيض أرواحا لفظت أنفاسها الأخيرة مستجديا آمال يتيمة بالحياة، محاولا انعاش نبضات خفتت مع صمت العالم.
في الواحد والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1973، ولد حسام أبو صفية في جباليا حيث سيشهد الفتى في عامه الرابع عشر انتفاضة أولى بدأت من مسقط رأسه وامتدت حد تحرك الحجارة في مدن وقرى ومخيمات فلسطين.
وفيما يبدو أن طفل العائلة المهجرة عام 1948 من بلدة حمامة الواقعة في قضاء عسقلان، سيتأثر بشرارة الانتفاضة حين دهس المحتل جموع عمال فلسطينيين في قطاع غزة، ما يدفعه ليناضل في حلمه حتى ينال لاحقا درجة الماجستير وشهادة البورد الفلسطيني في طب الأطفال وحديثي الولادة.
قاد الدكتور حسام أبو صفية الفرق الطبية في غزة لتقديم الرعاية الصحية لسكان القطاع، حتى بات من أبرز الشخصيات الطبية هناك.
منذ أكتوبر عام 2023 قاوم أبو صفية بسماعته الطبية سلاح الاحتلال، فرغم أن القاعدة 35 من القانون الدولي الإنساني نصت بـ "حظر توجيه هجوم على منطقة أنشئت لإيواء الجرحى والمرضى والمدنيين وحمايتهم من آثار القتال"، استمرت جرائم الإبادة على المدنيين في المستشفيات ومراكز الإيواء، فيما كانت مستشفى كمال عدوان التي يرأسها الدكتور أبو صفية محط مجهر استهداف الاحتلال الإسرائيلي.
ومع أن قواعد القانون الدولي العرفي 1 و47 و25 و27 و31 بالإضافة للقانون الدولي الإنساني شددت على "حماية كل من يوجد داخل المستشفى من مدنيين وجرحى ومرضى، والعاملين في المجال الطبي والديني، وموظفي الإغاثة الإنسانية"، إلا أنها عجزت عن حماية الرجل ورفاقه وحتى عائلته في شمال القطاع إلى جنوبه.
في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الثاني 2024 فجع الدكتور المفرج عنه من عملية اعتقال استهدفت مئات المصابين والطواقم الطبية من مستشفى كمال عدوان؛ باستشهاد نجله البكر "إلياس" في غارة للاحتلال على الشمال.
ووسط جائحة "تبلد" أصابت العالم، لم يتخل أبو صفية عن إنسانيته، فكان مع موعد عجل قبل فيه نجله الذي لم يمنحه الوقت وداعا يذرف فيه الدموع، ليجد الرجل من سور المستشفى مكانا قريبا يطمئن فيه على الجثمان، قبل أن يهرول لعلاج الجرحى وداخله جرح ينزف لن يعرف له شفاء.
عقب شهر أصيب الطبيب المكلوم أثناء خروجه من غرفة العمليات، بمسيرة للاحتلال استهدفه فيها، ورغم الشظايا الست التي اخترقت منطقة الفخذ وتسببت بتمزق في الأوردة والشرايين، ظل يتحصن بمعطفه بحثا عن ناجين، وسط تهديدات واستهدافات لم تنقطع.
وفيما ترعب حياة الغزيين وأمعائهم الخاوية وركام حجارتهم الاحتلال الإسرائيلي حد هدم ما تبقى من مستشفى كمال عدوان وحرقه، ووسط مناشدات أبو صفية لكوكب صم مسامعه وأغشى بصره عن عن جرائم إنسانية في غزة؛ التقطت صورة للطبيب البطل يمشي على هدام أحلامه وأحلام كثيرين بالنجاة، على أرض احتضنت جثمان نجله والغزيين، بمشهد غاب الدكتور حسام أبو صفية بعد أن اقتاده الاحتلال مجردا من ملابسه معذبا بأسلاك كهربائية إلى وجهة غير معلومة… كحال مصير الأبرياء في أكثر بؤر العالم ظلما وحرمانا…!
0 تعليق