نحو نقد جديد لمعجم جديد - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ما الذي كان اللغويّون وعشّاق اللسان، ينتظرونه، أكثر من «المعجم التاريخي للغة العربية»، في سبعة وعشرين ومئة جزء؟ هل كانوا يطمحون إلى شيء فوق هذا الرقم القياسي العالمي؟ لكن «هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان»؟ ما نتوقعه من علماء اللغة، في المجامع اللغوية، وخارجها، وسائر أساتذة اللغة، والأدباء الذين هم من أهل الذكر في هذا الميدان، هو أن يكرّموا هذه الهدية النفيسة إلى لغتنا وهويتنا، بالإضاءات النقدية والتدقيقية والتحقيقيّة، في كل المجالات ذات العلاقة، في التاريخ والأدب والتأثيل.
لا شك في أن الحركة النقدية بوجه عام، أصيبت بالوهن في العقود الأخيرة، بعد ازدهار لم يدم طويلاً في القرن العشرين، إذ يمكن حصر الحقبة بين 1920 و1970. لا عجب في ذلك، فقد كانت الخمسون سنة تلك، محور النهضة الثقافية العامّة. انبعاث شامل في الآداب والفنون، أعقبه انحدار سريع مريب، كأنه أفول، كأنه نضوب، تصحّر وغروب.
بالمناسبة، من الانجرافات أو الانحرافات التي أساءت إلى منظومة القيم النقدية، ما حدث للشعر العربي من «تحويلات مرورية»، في العقود التجريبية، مثل قصيدة النثر، القصيدة المضادّة، شعر الحداثة، وما إليها من تلافيف وتعاريف وتصانيف. وحين نطح وعل الشعر صخرة الإبداع، اكتشف النقد أنه جارى تلك التيارات بغير تنظير قائم على أسس متينة، فتوارى لانعدام قدرته على إقناع الناس بأن السراب ماء. الاستطراد شرّ لا بدّ منه أحياناً.
الآن، النقد المعجمي الذي نحتاج إليه ليس له سوابق في اللغة العربية. طوال القرون الماضية، كانت لنا مصنّفات تعرف باسم المستدركات، كالمستدرك على «لسان العرب»، و«الحسن والإحسان في ما خلا عنه اللسان»... لم يكن للغتنا معجم تاريخي قط، بالمعنى الأكاديمي، وبهذا التوسع الأسطوري، فنحن ننتظر طرازاً جديداً من النقد، لقمّة معجميّة من طراز فريد لم تعرفه المكتبة العربية. من أهمّ الآفاق التي سيرتادها النقاد في هذا العمل العظيم، امتداد التأصيل إلى لغات غير العربية، كالسّاميّة والأفروآسيوية والهندوأوروبية واللاتينية واليونانية... متعة لا حدود لها، فسوف تجعل العرب في المشرق والمغرب، يكتشفون أسرار «الحمض النووي» للسانهم أوّل مرّة. وحبّذا لو عمل اللغويون على جمع كل الحصاد النقدي في موقع شبكيّ، لتعميم الفائدة ونشرها خارج النطاق الورقي، مع فتح المجال على مصراعيه للتفاعل، وأن ينصّ الموقع على تلك العبارة الطريفة: «للجادّين فقط»!
لزوم ما يلزم: النتيجة العرفانية: على اللغويين والنقاد التمثل بتحوير قول المتنبي: «لكنْ رأيتُ قبيحاً أن يُجاد لنا.. وأننا بقضاء النقد بُخّالُ».

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق