إلى أين تذهب بالنّاس وسائط التواصل الاجتماعي؟ الطريف المؤسف هو أنه كلما تقدمت العلوم والتقانات، وانفتحت آفاق تطبيقات جديدة لها، اجتاحت العالم العربي موجات جديدة من الضحك من الذقون. مع ثورة المعلومات، اكتسحت المجتمعات فورة التضليل، وتبخّرت الضوابط الإعلامية. أضحت الافتراءات والأكاذيب أساليب وتقنيات في فنون الغشّ الرقمي. ومع اقتحام مارد الذكاء الاصطناعي جميع المجالات الحيويّة، فار تنور الأحابيل التي تجاوزت كل ضروب شائعات الاحتيال والابتذال، إلى تعمّد إشعال الفتن، وارتكاب الممارسات التي يجب أن تُعد إجرامية.
على السلطات المسؤولة في جميع الدول، المتقدمة والمتخلفة، أن تغسل أيديها من محاولات إحياء أزمنة الرقابة في وسائل النشر والإعلام. فات الأوان. صارت لهذه الألاعيب مؤسسات تديرها بخبراء وفنيين محترفين في ميادين شتى، وأساتذة متخصصين في التاريخ، الديانات، اللغات وغيرها، ولكن لقلب الحقائق وتشويهها. ولّت أيام زمان البريئة، أيامَ كانت الأنظمة المتخاصمة، تتبادل الشتائم عبر أبواقها، مثلما يفعل الأطفال في أزقّة القرى. كلام لاذع وبذيء، لكنه سطحي وغير منطقي وصيحة في وادٍ. لكن، في الحقيقة، علينا أن نندب حظ العالم العربي، فحتى مع تقدّم التكنولوجيا وبلوغها مستويات مدوّخة، لا تزال حليمة الزور والبهتان، على عادتها القديمة في نسج الأباطيل، تماماً، كأنما تطوّرت التقانة، طارت إلى قمم الذرى، وظلت مضامين استعمالاتها في بوتقة أزقّة القرى. الذين بلغوا من الكِبَر عتيّاً، يتذكرون الإذاعة الفرنسية «أوروبا واحد»، في الحرب الباردة، كيف كانت تستضيف عمالقة الفكر الاقتصادي، ينقدون و«يشرشحون» اقتصاد الحزب الشيوعي السوفييتي والنظريات الماركسية، مع الاستدلال بأدق البراهين والمعلومات والإحصاءات، فلا تسمع منهم كلمةً نابيةً، ويغضّون من أصواتهم فما لهم من صراخ، فهم يعلمون أن السيف لا يقطع بصليله.
اليوم، نرى أن يوتيوب وأخواتها على الشبكة العنكبوتيّة، صارت بؤرة أباطيل بها أخطر الشائعات، التي تملأ الفضاء العربي، وكأنه يستقبل الترهات برحابة ذهن واقتناع بالصّدقيّة من دون سائر الشعوب والأمم. خذ مثلاً: «عاجل، عاجل، الطائرات الفلانية تقصف الآن العاصمة الفلانية». «عاجل، عاجل، اغتيال الشخصية الفلانية». آلاف مؤلفة. السؤال: هل هذا مجرد طيش، أم هو تضليل للرأي العام العربي من قبل عرب غير واعين؟ أم خطط ودسائس أجنبيّة؟ إذا كان لهواً عديم الضمير والمسؤوليّة، فهل لأجهزة الأمن السيبراني تصوّرات للحلول الرادعة؟ وإن كان زرعَ فتن بأيد خارجية، فأين التروس والدروع الافتراضيّة العربيّة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الهروبية: الأذى السيبراني لا يمكن القضاء عليه، ما يحزّ في النفس هو أن كثرة الأباطيل، تدل على أن لها سوقاً عند العرب.
0 تعليق