حين تلتقي براعة الإعلام بالفطرة والثقافة وقوّة الشخصية الأدبية مع الشعر بالفطرة والقوّة أيضاً، فلا تخف من استحواذ الإعلامي على الشاعر، ولا استحواذ الشاعر على الإعلامي.. تلك المعادلة حققها بحرفية موزونة خليل عيلبوني أوّل وأقدم الشعراء الإعلاميين في الإمارات الذي بدأ عمله الاختياري هذا إذاعياً نشطاً في إذاعة فلسطين من القاهرة 1961 «إحدى إذاعات صوت العرب» في ذلك الزمان كما كتب عيلبوني في الملحق الثقافي لجريدة الخليج في 13 ديسمبر 2008.
عدت إلى ذاكرة العزيز خليل عيلبوني في سياق ذاكرة محمود درويش التي لم تكتب جيداً إلى الآن، وبخاصة في إقامته بأكثر من عاصمة عربية وأجنبية كان خلالها أحياناً غريباً، وأحياناً مطارداً، وأحياناً سريعاً في زيارة سريعة «نُزُلٌ على بحر زيارتنا قصيرة» كما قال في إحدى قصائده.التقى خليل عيلبوني مع محمود درويش أوّل مرة في 1969 في العاصمة البلغارية صوفيا، وفي العام 1974 زار درويش الإمارات، وأقام في فندق زاخر في أبوظبي، ليقرأ في أوّل أمسية له في الدولة، وقدّمه خليل عيلبوني في تلك الأمسية التي جرى تنظيمها في سينما (الدورادو) في أبوظبي، وإلى اليوم يحتفظ عيلبوني بالتسجيل الصوتي لتلك الأمسية.
بقي الجمهور وكان بالمئات إلى ساعة متأخرة من الليل مع درويش، وعلى هامش الأمسية روى درويش الكثير من تفاصيل حياته وعائلته لأبي جهاد، وقال له إن والده رفض التعويض المادي عن ممتلكات عائلة درويش في قرية البروة الواقعة في الجليل.
هذا جزء من تاريخ درويش الذي ربما لا يعرفه الكثير ممّن اهتموا تاريخياً ووثائقياً بحياة الشاعر الأهم والأبرز في الذاكرة العربية والفلسطينية، ومن المهم الإشارة هنا إلى إن صاحب (سجّل أنا عربي) قرأ بعد أمسية أبوظبي في 1974 مرّات عدّة في الإمارات، وفي مناسبات ثقافية كان هو نجمها ورمزها المعنوي مثل تكريمه والاحتفاء به من جانب مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، كما زار درويش جريدة الخليج في التسعينات إن لم تخنّي الذاكرة والتقى مع تريم عمران الذي استقبله في مكتبه في الجريدة، واحتفى رمز وضمير الجريدة بالشاعر العالمي الذي جعل من اسم فلسطين أيقونة جمالية وإنسانية في جهات العالم كله.
مادة التوثيق لِحَيَوات كبار شعراء العرب ومثقفيهم الرمزيين موجودة في أرشيفات الكثير من الإعلاميين والصحفيين العرب الروّاد في مجالات العمل الإذاعي والتلفزيوني والورقي، وهي مادة (نائمة) إن جازت العبارة، وستبقى هكذا نائمة إن لم تتولَّ إحياءها وبعثها للحياة مؤسسات توثيق وتدوين معلوماتي عالي القيمة المادية والمعنوية والتاريخية.
0 تعليق