تجربة الأساليب تغذية ورياضة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ما الذي على الأقلام الواعدة أن تتأهل به للإبداع، إذا كانت المناهج لا تنمّي فيها الإحساس بجمال اللغة؟ لا خوف ولا حزن. على من يأنس في روحه الموهبة أن يكدح، فلا يكفي أن يطمح.
على القلم الواعد أن يدرك بيقين، أنه لا يوجد في تاريخ الأدب العربي، أسلوب يمكن أن نحصر فيه وحده كل جمال لغتنا. جمالها ليس وردةً فريدةً، حُسنها روضة على مدّ الأفق زاهية بالأزاهير، فعليه الاقتداء بالنحل في جني الرحيق، وإبداع شهد الرضاب. لا وجود لشاعر أو ناثر يغنيك عمّن سواه في كل القرون الماضية. هكذا في جميع اللغات، فانهل من عيون العصور، ومن ينابيع ثقافات الحضارات، من المناهل والموارد رأساً، أو عبر جسور الترجمات. إن للثقافات أساليبها؛ لأن للعقول أساليبها، وللأرواح أساليبها، وللغات أساليبها، ولأسر اللغات أساليبها.
الفنون سواقٍ. لا يستطيع أيّ فنان في أيّ فنّ الاستغناء عن منهجيّة النحل. من هزال الرّأي أن يتوهّم المرء أن الشعر لا يكون إلاّ في قصيدة النثر. اكتب قصيدة النثر أو شعر الحداثة أو ما طاب لك، لكن، جرّب المسالك الكلاسيكية أيضاً. لن تخسر شيئاً، سيشتدّ عود امتلاكك لمقاليد اللغة، وتتفرّع أفنان ذوقك وتورق وتزهر وتثمر. من خدعك بأن بين أبي العلاء وأدونيس عداوةً؟ من افترى عليك أن بين مسلم بن الوليد (صريع الغواني) ويوسف الخال ما صنع الحدّاد؟ عندما تنتشي بمئات الفنون الشعرية، من الأناشيد المصرية القديمة، إلى روائع الشعر الصيني قبل ثلاثة آلاف عام، إلى هوميروس، والشعر العربي طوال ستة عشر قرناً، وحافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي، ومن راسين إلى لامارتين، وهلمّ شعراء، فإن مهجتك وروحك وموهبتك ستصهر كل تلك المتآلفات المتخالفات، المترافقات المتفارقات، فإذا هي كألوان الطيف المتعانقات، تُخرج الإبداع أبيض من غير سوء. عازف البيانو الواعد، يكون ساذجاً إذا انطلت عليه أكذوبة أنه، وقد نوى أن يكون عازف جاز، فإن عليه أن يتقوقع في هذا اللون، ولا عليه ببدائع باخ، موتزارت، بيتهوفن، شوبان، ليست، ديبوسي، تشايكوفسكي...
لن يكون مشوار الإبداع طويلاً ثريّاً بالاكتشافات والتجارب الولّادة، إذا أصاب القلمُ نفسَه بداء نقص هرمون النمو. الموهبة جسم متكامل، يتطلب تغذيةً متوازنةً بكل العناصر. وهمٌ أن تظن أن الفنون في غنى عن العلوم والفلسفة، عن التاريخ، وعن الوعي بكل الواقع والوقائع.
لزوم ما يلزم: النتيجة الذهبية: روعة الأساليب عبر التاريخ، في تجربتها، لا في الاطلاع عليها فقط. ذلك لا يعني تقليدها. تجربة الأساليب غذاء ورياضة.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق