النوخذة محمد بن لاحج أحد رجالات دبي، ترجّل في (2-1-2025) عن صهوة جواده، عن عمر يناهز 97 عاماً، كان شخصاً له من السرد تاريخه، بدأ دخوله للبحر منذ نعومة أظفاره في عمر الـ 11 ليكبر ويتطور مع البحر ويطور ما بداخله معه، تخطّى فكرة الأحلام فكان عصامياً يتعب ويجاهد التيار، عصامياً في تكوين نفسه وتحصيل مستقبله حتى كان له أسطوله وتجارته التي أحيت له اسمه، متفرداً في عالم تجارة النقل وبين تجّاره، رمزاً في مجتمعه، له سمعته وله المكانة التي يعيشها معه من حوله، فكانت منهاجاً في كل شيء، بينه وبين نفسه أولاً ومنها انطلق للآخرين فانعكست على كل ما يقوم به، مع أصدقاء المهنة، مع من يعمل معهم، فيه من الشدة والرحمة ذاك التوازن الذي جعله قريباً للكل ويفتقده من يحبه، فأصبح ذا كلمة مسموعة لها وقع الميزان في الحدث وله من الحكمة أحداث ووقائع جعلت من حوله سنداً له في تجارته.
كان مدرسة في التواضع والأخلاق وكيف أن الإنسان يسمو بفكره وبحضوره مع غيره والانصهار مع همومهم وحياتهم اليومية، كان أباً وقائداً يعلم من حوله على أرض الواقع ومن خلال ما يقوم به كيف يكون المرء قائداً خالداً، معتداً بخبراته وحنكته. سمعت من والدي شخصياً بعض القصص التي فاجأتني، عن قلبه الطيب معه في فترة عمله في إحدى مؤسسات دبي، وكيف كان رفيقاً بمن حوله ومعطاء، والدي كان دائماً يضحك حين يتذكر تلك المشاكسات بينهم، ويخبرني أنه كان خيّراً ورحيماً بمن حوله ولا يتوانى عن مساعدة أحدهم وأن يفرحه.
لم تكن السنوات الأخيرة في حياته سهلة، وإن كان بعيداً عن المجتمع الذي أحبه وعاش فيه إلا أن ذاكرته، ذاكرة النوخذة الأول كانت رفيقاً له، وكأن المرء يتمسك بالحياة الأولى التي يريدها دائماً، حياة الصدق والحب، والتي تمثله في تفاصيلها.
كانت تجربة النوخذة والوالد التاجر مدرسة أبنائه الأولى ومن حوله، مدرسة وظف فيها ركائز الحياة المستقلة، وترجمت كيف أن المرء يعطي ما هو مقتنع به وما يراه ويتمسك به من خلال قناعاته، في مدرسته تعلم المرء أن الإنجار والتميز لا يأتي من أيام بل من سنوات طويلة من التعب والممارسة.
رحم الله الوالد النوخذة محمد مطر بن لاحج، وجعل مثواه في الجنة.
0 تعليق