الكتابة ليست مجرد أداة لنقل الأفكار أو سرد القصص، إنها أشبه برسم خريطة داخلية للمشاعر والهواجس والرغبات. عندما يمسك الكاتب القلم، فإنه لا يكتب فقط على الورق، بل ينقش على روحه، وتلك اللحظات التي نجد فيها أنفسنا نكتب بلا قيود، هي اللحظات التي نقترب فيها أكثر من حقيقتنا.
البداية قد تكون صعبة، كثيراً ما نجد أنفسنا نتساءل: «ماذا سأكتب؟» أو «كيف أبدأ؟»، ولكن الحقيقة أن الإجابة تكمن في البساطة، يكفي أن تنطلق من شعور، من ذكرى، أو حتى من سؤال يحيرك، الكتابة لا تحتاج إلى صياغة مثالية أو إلى أفكار عظيمة، بل تحتاج فقط إلى الصدق، عندما تكون صادقاً مع نفسك، تجد الكلمات تنساب كالنهر، حاملة معها انعكاسات روحك.
في لحظات الكتابة، قد تكتشف جانباً منك لم تكن تعرفة من قبل، ربما تكتشف أنك تحمل شغفاً دفيناً لم تعطِه الفرصة ليظهر، أو أنك تحمل ألماً حاولت تجاهله طويلاً، الكتابة تظهر لنا ما نحاول إخفاءه، وتفتح أبواباً إلى زوايا معتمة في أنفسنا، وهذا ليس أمراً سيئاً، على العكس، فإن مواجهة تلك الجوانب هي خطوة أولى نحو التحرر والنمو.
قد يكون للكتابة الإبداعية تأثير يشبه العلاج، عندما نضع مخاوفنا وأحلامنا وآلامنا على الورق، نشعر بخفة غريبة، وكأننا أزلنا عبئاً كان يثقل أرواحنا، الكلمة المكتوبة تمنحنا فرصة لفهم أنفسنا بشكل أعمق، وللتصالح مع تلك الأجزاء التي كنا نخشى مواجهتها. إنها فرصة للشفاء، ولإعادة بناء ذواتنا.
لكن الكتابة ليست مجرد عملية فردية، إنها أيضاً جسر يربط بيننا وبين الآخرين، عندما نشارك كتاباتنا، حتى وإن كانت بسيطة أو شخصية، فإننا نمنح الآخرين فرصة للاقتراب منا، لفهمنا، وربما حتى لمساعدتنا على فهم أنفسنا بشكل أفضل. في أحيان كثيرة، نجد أنفسنا نقرأ نصوصاً لشخص آخر، ونشعر وكأنها تتحدث عنا، هذا الترابط، هذا الشعور بأننا لسنا وحدنا في رحلتنا، هما إحدى أجمل هدايا الكتابة الإبداعية.
لا تحتاج إلى أن تكون كاتباً محترفاً أو أن تمتلك مهارات لغوية باهرة لتستكشف ذاتك عبر الكتابة، كل ما تحتاج إليه هو شجاعة البدء، والاستعداد للغوص في أعماقك بلا خوف، الكتابة هي رحلة، وليست وجهة، وفي كل مرة تضع فيها قلمك على الورق، تقترب خطوة من ذاتك الحقيقية، تلك الذات التي قد تكون مختبئة تحت طبقات من التجارب والتوقعات.
استكشاف الذات عبر الكتابة الإبداعية هو فعل من أفعال الحب للنفس، إنه اعتراف بأنك تستحق أن تعرف نفسك، أن تفهمها، وأن تمنحها الصوت الذي تستحقه، ففي نهاية المطاف، نحن جميعاً قصص قيد الكتابة، وكل كلمة نكتبها تقرّبنا أكثر من القصة التي نريد أن نعيشها.
0 تعليق